اتصل بنا
فلسفة العيد في نظر الإسلام 
23/02/1422

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله المبدئ المعيد والشكر له سبحانه على نعمه التي بفضله تزيد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه المجيد: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالدين الجديد، اللهم صلِّ وسلم على النبي الأمي، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله: أوصيكم بتقوى الله على كل حال، وأحثكم على طاعته بالأقوال والأفعال، فلقد قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.

أيها الإخوة المؤمنون: يطيب لي في خطبتنا اليوم أن أتحدث إليكم عن فلسفة العيد وبيان مقاصده في نظر الإسلام، وفي ذلك أقول لقد كانت أعياد الناس قبل الإسلام مرتبطةً بمعايير مادية وذكريات عابرة من انتصار قبيلة في حرب أو تتويج ملك أو تولية زعيم أو كانت مرتبطة بطقوس وعقائد دينية شوهاء من شرك ووثنية، وكان يشيع في أجوائها ممارسات المادية الجارفة وتعاطي الشهوات وفعل الموبقات وانتهاك المحرمات وتنتشر فيها الإباحية الصارخة على أقبح صورها وأخس أشكالها.

ولمّا جاء الإسلام قلب الموازين السائدة في حياة الناس وقضى على أعراف الجاهلية وأحلَّ مكانها موازين السماء وضوابط شريعة الله ومعايير دينه الحنيف، وكان للعيد نصيب وافر من عناية الإسلام به، حيث سما به عن المستوى المادي الرخيص ليصبح في نظره موسمًا جديدًا من مواسم العبادة والطاعة يتحقق فيه بُعدٌ روحيٌّ عميق، يؤتي ثمرته في نفوس المسلمين تجديدًا للإيمان وحافزًا على السير في مضمار العبادة الخالصة لله رب العالمين، وأعني بذلك عبادة الصوم في رمضان، وعبادة الحج في مواسم أدائها، فأصبح العيد في نظر الإسلام موسمًا يعبِّر فيه المسلمون عن شكرهم لله الذي وفقهم لأداء تلك العبادة.

وهذا ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر»، وهكذا غدا العيد في ميزان الإسلام طورًا جديدًا من أطوار طاعة الله وحسن عبادته، يدخله المسلمون ليمارسوا فيه عبادة من نمط جديد ضمن هَدْي جديد، يزيدهم تفاعلًا مع الحياة بقوَّة إيمان كبير يكتسبونها بفعل استجابتهم لله سبحانه، ويأخذ العيد في نظر الإسلام خصائصه المتميزة بأنه موسم عباديٌّ كريم حافل بالقيم الروحية والمظاهر العبادية والمعاني الإنسانية والآداب الاجتماعية الكفيلة ببناء جيل صالح ومجتمع كريم وأمة راشدة فيُكثر فيه المسلمون من تكبير الله تعالى بدءًا من ليلة العيد وامتدادًا إلى صلاة العيد في يوم الفطر، وإلى عصر آخر أيام التشريق في يوم النحر، وتكبيرهم تعبير صادق عن مدى شكرهم لله الذي وفقهم إلى طاعته وحسن عبادته في رمضان وفي الحج.

وهذا السلوك الطيب في إحياء الأعياد هو الذي أشار إليه المولى سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وبقوله: ﴿كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ.

أيها الإخوة المؤمنون: ومما يؤكد حقيقة العيد في الإسلام واصطباغه بصبغة العبادة  الخالصة لرب العالمين أن شرع الله فيه الصلاة وخطبتين بعدها يتمُّ فيهما وعظ الناس وهدايتهم إلى الله وحضّهم على تمثل الأخلاق الإسلامية وآداب الدين الحنيف ويشارك المسلمون جميعًا في حضور صلاة العيد حتى ذوو الأعذار الشرعية، وإليكم دليلًا على ذلك، ما جاء في الحديث الصحيح عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهنَّ في الفطر والأضحى، العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين”.

أيها الإخوة: اعلموا أن العيد في نظر الإسلام إذا كان يصطبغ بصبغة العبادة فلا يعني ذلك أن تضمحلَّ حظوظ النفس الإنسانية المباحة خلال أيامه ولياليه، بل هو إلى جانب ما ذكرناه يصطبغ بصبغة السرور وإظهار الفرحة التي تتخذ طريقها إلى بيوت المسلمين فتدخل إلى قلوب أطفالهم، وتظهر على قسمات وجوههم.

وهذا ما يترجمه موقف النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عندما دخل عليه صاحبه الصديق أبو بكر رضي الله عنه في بيته فوجد جاريتين صغيرتين تغنِّيان بغناء بُعاث، وتضربان بالدُفِّ لسيدتنا عائشة وكانت يومها جارية صغيرة، فقال أبو بكر (مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) وانتهر ابنته عائشة، فقال عليه الصلاة والسلام: «دعهما»، ثم قال له: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا» متفق عليه، أي أنه يوم سرور شرعي، فلا يُنكَر فيه اللهو المباح ولا الأكل والشرب الحلال.

أعوذ بالله من الشيطان: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على ما أولانا من نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، والشكر له، أحمده حمدًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فالعيد في نظر الإسلام ضرب عباديٌّ متميز تأخذ فيه النفس البشرية حظَّها من اللهو الحلال الذي لا يُنسيها طاعة الله وحسن عبادته، وتتواصل فيه قلوب المسلمين وأرواحهم على أرقى المعاني الإنسانية وأسمى الروابط الروحية، فيعيش المجتمع المسلم معنى السعادة في ظل طاعة الله تعالى، فبادروا أيها الأخوة المؤمنون إلى تمثُّلِ هَدي الإسلام في أعيادكم، وانبذوا كلَّ دخيل من عادات وتقاليد تستحلّ المعاصي والإباحية والممارسات الخاسرة.

واجعلوا العيد منطلقًا إلى حياة نظيفة توثِّقون فيها الروابط فيما بينكم على الأُلفة والمحبة والإيمان والتعاون على البر والتقوى، في ظل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، وفي ظل قوله عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى».

اللهم اجمع كلمة المسلمين على البر والتقوى، وحقق آمالهم بالنصرة والتمكين، اللهم سلم الحجاج وتقبل منهم حجهم واحشرنا معهم بفضلك ورضوانك، اللهم اجعل هذا العيد عيدًا سعيدًا تحقق فيه آمال وتطلعات كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين وهيئ لهم البطانة الصالحة، اللهم أغث القلوب والبلاد يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.

عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال جل من قال عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

هذا وإن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
download micromax firmware
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course