بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله خالق العباد، والشكر له سبحانه على نعمة الهدى والرشاد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه المبين: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا﴾. وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله صلاة ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم بتقوى الله في كل حال وأحثكم على طاعته في الأقوال والأفعال، وأعظكم بقوله الحق حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
أيها الإخوة المؤمنون: ما أكثر أسباب الضياع النفسي في هذه الأيام، وما أكثر الضائعين نفسيًا في خضم هذه الحياة، وما أفدح النتائج وأسوأ العواقب التي ينتهي إليها هؤلاء الضائعون، وتُنهى بها مجتمعاتهم وأممهم.
إنها والله لمأساة الإنسان في هذا العصر المتطور الذي يتعاظم فيه البنيان المادي، ويتضاءل فيه الجانب الروحي.
وفي خطبتنا اليوم سوف نلقي الضوء على بعض وسائل الضياع النفسي التي أخذت تعصف بالإنسان، وتلقيه جثةً هامدة على هامش الحياة بعد أن تستأصله فكريًا وسلوكيًا وروحيًا ونفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
وحسبنا أن نذكر هنا من تلك الوسائل المدمرة أعتاها وأشدها فتكًا وتدميرًا ألا وهي المخدرات والمسكرات.
ولا ريب أيها الإخوة المؤمنون في أن هذا الحديث عن هذه السموم الخطيرة حديث عن واقع مرير يمر به إنسان هذا العصر، في نفسه ومجتمعه، حيث يقع قطاع كبير منه فريسة هذه السموم الفتاكة، التي أوشكت أن تنتشر في صفوف الكبار والصغار انتشار النار في الهشيم في شتى بلاد العالم، حتى بلاد العرب والمسلمين لم تعد بمأمن من أخطارها الفادحة، إذ يقع كثير من شباب هذه الأمة وفتياتها في مباءتها المدمرة.
ولقد اتسع نطاق الحديث عن المخدرات والمسكرات، والتحذير من أخطارها وتأثيراتها السلبية على الإنسان في عقله وفي نفسه وفي جسمه وفي مجتمعه وفي سلوكه وأخلاقه، بل وعلى حياته كلها وجودًا وعدمًا.
فجاء في تقرير المؤسسات والجمعيات العلمية والصحية العالمية أن للمخدرات والمسكرات تأثيرًا خطيرًا في تدمير الطاقة الجسمية والعقلية في الإنسان، فهي تضرب مراكز المخ العصبية وتصيب العقل بالضعف وفقد القدرة على التفكير والتركيز، وتخرب الجملة العصبية؛ وتؤدي إلى الهلوسة والجنون والانحطاط البدني، وتقلل من مناعة الجسم ضد الفيروسات والفطريات إلى جانب تخريبها لعدد من الأجهزة في الجسم البشري.
وأما عن الآثار النفسية، فحسبنا أن نعلم أن تعاطي تلك السموم؛ يؤدي إلى التوتر والاكتئاب واضطراب المزاج والارتكاسات النفسية المستمرة، وارتفاع نسبة الأمراض العصبية الخطيرة التي تفضي غالبًا بأصحابها إلى الانتحار.
وأما عن الآثار الاجتماعية فإنها تؤدي إلى اضطراب الوضع الاجتماعي للمؤمن، وتفكك أسرته وضياع أطفاله وكثرة الانحرافات السلوكية والأمراض النفسية فيما بينهم.
وأما عن الآثار الاقتصادية، فحسبنا أن نعلم أن مدمن المخدرات ينفق نسبة كبيرة من دخله على تحصيلها، فينعطف ذلك بالسوء على أفراد أسرته في المسكن والمأكل والنواحي الصحية والتعليمية وسائر أمور العيش.
وأما عن الآثار السلبية التي تخلفها المخدرات في السلوك والأخلاق، فيكفيك أن تعلم أنها غالبًا ما تسوق مدمنيها إلى ارتكاب أبشع الجرائم الخلقية، من نصب واحتيال وسرقة وخيانة وتزوير، بل كثيرًا ما تكون سببًا قويًا في ارتكاب جرائم القتل وافتراس الأبرياء من الناس، إلى جانب كونها دافعًا قويًا إلى ممارسة الرذيلة والفجور وانتهاك الأعراض، والانغماس الصارخ في مستنقعات الشهوات والفسق وتعاطي الخنا على أوسع نطاق، وما أكثر ما نسمع عن الضياع والدمار الخُلقي، الذي ينتاب مجتمعات الشباب والفتيات المتهالكين على المخدرات والمسكرات، في كثير من بلاد العالم، فنقرأ عن آلاف المراهقين والمراهقات الذين يقضون لياليهم في أقبية المخدرات في بلاد الغرب، ونقرأ عن الجرائم والمخازي التي يرتكبونها وعن المصائر والنهايات التعيسة الخاسرة التي ينتهون إليها، الأمر الذي دفع معظم دول العالم إلى إصدار القوانين لمحاربة تلك السموم الفتاكة، وملاحقة تجارها فارضة في حقهم أقصى العقوبات.
أيها الإخوة: لقد وقف الإسلام من ترويج المخدرات وممارسة تعاطيها موقفًا صارمًا، حيث حذر من تناولها، وتوعد عليه بشديد العقاب؛ لأنها من الخبائث بل هي من أشدها فتكًا بالعقول والأجسام.
ولكم أن تقرؤوا أيها الأخوة في كتاب الله ما يحذر من تعاطي تلك السموم القاتلة وكل ما يؤدي إلى تخريب الجسم البشري وتدمير الطاقة الإنسانية، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، والمخدرات من أقبح التهلكات، وقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، وفي تعاطي المخدرات قتل للجسم والعقل والكيان الإنساني كله، وقوله: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾، والمخدرات من أشد الخبائث ضررًا وأعتاها خطرًا.
وكذلك في السنة الشريفة لكم أن تقرؤوا إن شئتم قوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار»، والمخدرات عين الضرر الذي ينبغي الحذر منه، وقوله: «من قتل نفسه بسم عذب في نار جهنم» رواه الترمذي.
وهل ينكر أحدًا أن المخدرات سموم فتاكة بالعقول والأجسام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبه الله ويرضاه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
عباد الله: يجب أن تعلموا أن من أهم الأسباب الداعية إلى انتشار هذه السموم في كثير من الناس، هو الخواء الروحي والارتكاس الصارخ في حمأة المادة، ومستنقعات الشهوات، ولا سبيل إلى إنقاذ الغارقين في جحيمها إلا بانتشالهم من أوحال الشر ومنزلقات العصيان، والارتقاء بأرواحهم إلى أجواء الهداية والإيمان، وطهر الحياة الإنسانية الراشدة في ظل مراقبة الله سبحانه.
فتداركوا يا معشر الآباء وأولياء الأمور شباب أمتنا المسلمة وفتياتها، اغرسوا في أعماقهم الخشية من الله، وازرعوا في قلوبهم الثقة بالله، وصعِّدوا نفوسهم في معارج العبادة، وأدبوهم بأدب الإسلام، وربوهم تربية القرآن، وحصنوهم بالموعظة الرشيدة والتذكرة البليغة حتى يسلموا من شر المخدرات وغيرها من وسائل الفساد.
اللهم احفظ أجيال أمتنا الإسلامية من غائلة الفساد، وشرك المخدرات إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، فقد أمركم بذلك المولى عز وجل، فقال عز من قائل عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن صحابته أخص منهم الخلفاء الراشدين، اللهم قنا الزلازل والمحن والمخدرات والمسكرات وكل البلايا والرزايا في بلدنا هذا خاصة، وفي سائر بلاد المسلمين، اللهم وفق أهل طاعتك لما تحبه وترضاه.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.