بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله القائل: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾، يعجل العقوبة بما كسبت أيدي الناس؛ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. أحمده على نعمه وأسأله المزيد من فضله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن الله سبحانه أمركم أن تعتبروا بما ترون وما تسمعون، مما يجري من الحوادث والعقوبات في الأمم الماضية والأمم الحاضرة، فالسعيد من وعظ بغيره، قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾، وقال عز من قائل: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾، والآيات في هذا كثيرة، يأمرنا الله فيها بالاعتبار بما حل ويحل بالظلمة والمجرمين، من قبلنا ومن حولنا، حتى نتجنب طريقهم، لئلا يحل بنا ما حل بهم، وهكذا من رحمة الله سبحانه بعباده: ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
عباد الله: لو نظرنا في أحوالنا وما يجري حولنا، لأدركنا أننا في حالة خطر شديد إن لم نستدرك أمرنا ونصلح ما فسد من أحوالنا، فإننا لا نزال نسمع ونرى ما يجري حولنا فيما يجاورنا من البلاد، من حوادث قتل وتخريب، وحروب المدافع طاحنة تلتهم الأخضر واليابس، ويعيش الناس فيها تحت أمطار القذائف وأزيز المدافع، تحصد النفوس حصدًا وتقض المضاجع وترمل النساء، وتيتم الأطفال.
عباد الله: إن الأمر قد زاد في وقتنا هذا، فأصبح الإسلام غريبًا في بلاده، فقد اكتفى الأكثر من المنتسبين به بمجرد التسمي به، والانتساب إليه من غير عمل بأحكامه، فعقائدهم قد داخلها الشرك، ومحاكمهم تحكم بالقوانين الوضعية بدل الشريعة السماوية، وأموالهم تجمع بالتعامل المحرم من ربا وغيره.
عباد الله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
فإذا ظهر الفساد وانتشر الإلحاد وتجاهر الناس بالذنوب، فغير عزيز على الله أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصبًا، أو يهلكهم بالأمراض والحروب والأحزاب الغاشمة، فيسومونهم سوء العذاب: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾.
إنه لا نجاة للمسلمين مما وقعوا فيه اليوم إلا بالرجوع إلى دين الإسلام من جديد، الرجوع الصحيح الذي تطبق به تعاليمه، وتنفذ به أحكامه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. وما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفِعَ إلا بتوبة، فيجب علينا معاشر المسلمين الرجوع إلى الله بإصلاح أوضاعنا على وفق شرائع الإسلام، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وكل مسلم عليه من مسؤولية الإصلاح ما يقدر عليه، فعلى ولاة الأمور مسؤوليتهم، وعلى كل فرد من أفراد الرعية مسؤوليته، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، فما لم تتضافر جهود المسلمين على الإصلاح ومنع المفسدين من الفساد، فلن يتم المطلوب، والمسلم أينما كان فهو على ثغرٍ من ثغور الإسلام، إذا تخلى عنه دخل منه العدو، فالحاكم على كرسي حكمه على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يجوز له أن يسمح للفساد أن يدخل مملكته، والوزير على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يجوز له أن يترك الفساد يتسرب إلى أجهزة وزارته، ومدير المكتب أو المدرسية على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يسمح للفساد أن ينتشر في صفوف منسوبيه أو تلاميذه، والرجل في بيته ومع أفراد عائلته على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يترك الفساد يدخل بيته، فالمسؤولية على جميع المسلمين أفرادًا وجماعات، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، لكن متى تخلينا عن مسؤوليتنا، وألقينا باللائمة على غيرنا؛ دب إلينا الفساد وتمكن منا الأعداء، وحقت علينا العقوبة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، وأشهد ألا إله إلا الله، العزيز الجبار المنتقم لحرماته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه على آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فسنن الله في الكون عظيمة، فهو القادر على الإحياء والإماتة، بيده كل شيء، وكل شيء عنده بمقدار، وقد سمعنا ورأينا ما حل ببعض الدول من أعاصير وفيضانات ونوازل، راح ضحيتها آلاف من الناس، وشرد الكثير، ومرد ذلك ليس للعنة الطبيعة ، كما يسميه بعض الإعلاميين الذين يتفيقهون بما لا يعلمون، وكأن الطبيعة بزعمهم إله – تعالى الله عما يقولوه علوًا كبيرًا – إن سنة الله باقية ما بقي الناس والزمان، وهذه سنة من سنن الله الكونية في معاقبة من يخالف أمره، وليس للطبيعة أي دخل في هذا، ولنا أن نتعظ ونعتبر بما حل بغيرنا، فإن تخلينا عن ديننا فالله قادر على أن يصيبنا.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار، اللهم اهد ضال المسلمين، وردهم ردًّا جميلًا إلى الطريق المستقيم، اللهم حرر المسجد الأقصى من براثن اليهود المعتدين، وارزقنا صلاة فيه قبل الممات يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولاة أمورنا وخذ بناصيتهم للبر والتقوى، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، اللهم وفِّق شبابنا وفتياتنا، اللهم قنا المحن والفتن والزلازل والزنا والربا، اللهم احفظ هذه البلاد من كل سوء ومكروه، ومن أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء، فاجعل كيده في نحره يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وأكرم نزلنا ووسع مدخلنا وجازنا بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات مغفرةً ورضوانًا، ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب سميع الدعاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى الآل والصحب والتابعين أجمعين يا رب العالمين. وقوموا إلى صلاتكم يغفر الله لنا ولكم.