اتصل بنا
بين الرشوة والمحسوبية والهدية
13/04/2001

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، الحكيم العليم الذي هدانا لدينه، وأرشدنا إلى شرعه، وأحل لنا الطيبات بحكمته، وحرم علينا الخبائث برحمته، فقال عز من قائل عليمًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

أيها الإخوة: إن الإسلام منهج عمل منضبط، وسيرة حياة مستقرة، يهدف إلى تشييد حضارة مزدهرة أمنًا واطمئنانًا وهناءً، بوسائل علمية، وازدهار اقتصادي، وزهوٍ اجتماعي، وصفاءٍ روحي، وقد أسس الخالق المشرع سبحانه وتعالى لهذه الحضارة قاعدة عريضةً رصينةً لا يمكن أن تقوم الحضارة إلا بها وعليها، وهي الاستقرار الأمني على الأرض؛ لأنه إن تحقق ذلك أمكن للحياة العلمية عندئذٍ أن تتنامى، وللحياة الاقتصادية أن تزهو، وللحياة الاجتماعية أن تسمو،  لذا كان الاستقرار الأمني أهم مقاصد الشريعة الغراء، وقد أسس الإسلام تلك القاعدة برعاية الأخلاق ترغيبًا بالتزامها، منوهًا بفضلها وسموها وتميزها، ومحذرًا من مغبة هدرها؛ لأن في حياتها موتًا للجريمة، وفي موتها حياة للجريمة، فالقاضي مثلًا أو شرطي الأمن، أو شرطي المرور، أو المعلم في المدرسة والجامعة، أو الموظف في الدائرة أو المؤسسة العامة أو الخاصة، إذا لم يكن صاحب حياء وأمانة وضمير وتقوى لله عز وجل، كان هو بذاته ثغرةً على العدالة والأمن.

من هذا المنطلق قام الإسلام بالتنويه بدور الأخلاق وفضلها من جانب، وحاصر الجريمة بصراحة الحق من جانب آخر.

لهذا، وإن الرشوة وهي أن تدفع مالًا لتصل به إلى ما لا تستحقه، أو لتمنع به حقًا لغيرك، ثغرة كبيرة وسرطان يهدد الاستقرار الأمني في الأرض؛ لأنها سبب الفساد الإداري واضطرابه، إذ بها ينقلب الحق إلى باطل، والباطل حقًا، وبها تفتح ثغرات نحو حرمة الحاكم وهيبته، ومصداقية النظام أو سيادته، وكل ذلك مدعاة لانخفاض معدل الإنتاج في المؤسسات الإدارية والتنفيذية، لهذا كله حرمها الإسلام وجعلها من الكبائر، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

فالآية نهت عن أكل الأموال بطريق غير مشروع، وخصصت من الطرق غير المشروعة إعطاء الحاكم – سواء أكان الحاكم العام أم نوابه، المنفذين لأوامره، أم القضاة – جزءًا من المال في سبيل إغرائهم بالحكم لصالح من دفع المال رشوة لهم، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي.

أخرج أبو داود والترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -، ولا يرد اللعن من الله ورسوله إلا في أمر بالغ الخطورة؛ لأن حقيقة اللعن دعاء على فاعلها بالطرد والإبعاد من الخير، في الدنيا، وفي الجنة في الآخرة؛ ولأن فاعلها يستحق  ذلك؛ لأنه دنيء النفس حريصًا على الدنيا، وطامعًا بقليل فانٍ عنها، مهدرًا في  ذلك سمعته وكرامته، همه إرضاء نفسه الشحيحة، لذا استحق الطرد والإبعاد من الرحمة لتأخذ صرامة العدالة على يديه، لأنه سرطان مدمر وسريع الانتشار، ولنتأمل  قول ابن مسعود – رضي الله عنه -: (الرشوة في الحكم كفر، وهي بين الناس سحت) رواه الطبراني موقوفًا بإسناد صحيح.

هذا، وإنا نحمد الله عز وجل أن وفق حكومتنا الرشيدة أنها لم تدخر وسعًا في محاصرة هذه الجريمة النكراء.

عباد الله: ربما يتذرع البعض إلى الرشوة عن طريق الهدية فيسميها بالهدية أو الإكرامية، علمًا أن الفارق بينهما واضح لكل صاحب تقوى وضمير وحياء وكرامة، فالهدية تقدم بين يدي الحاجة التي يقضيها مسلم لأخيه المسلم فيما لا يتعلق بنطاق مؤسسته ودائرته وعمله، وبشرط أن تكون في رفع ظلم أو تحصيل حق، أو توفير منفعة مباحة، لذا قال عليه الصلاة والسلام لابن اللنبية أحد عماله على الصدقة حيث جاء بالصدقات، وقال هذا لكم وهذا أهدي لي، عندئذٍ قال عليه الصلاة والسلام: «فهلا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أُيهدى له  أم لا؟»، ولا أعني بذلك تحريم الهدية؛ فإن الإسلام دين ذوق ودين احترام، وود ومحبة وإنزال الناس منازلهم، فقد حث على الهدية فقال عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا»، ونهى عن ردها حفاظًا للود وماء الوجه، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تردوا الهدية» رواه البخاري في الأدب المفرد.

ألا فاتقوا الله عباد الله واحذروا مغبة الشيطان ووساوسه وشر النفس وخبثها، وجنبوا أنفسكم أكل أموال الناس بالباطل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

هناك سؤال يطرح نفسه: هل المحسوبية كالرشوة؟ الجواب: إن بينهما فرقًا واضحًا، فالمحسوبية كالرشوة إن أدت إلى ما أدت إليه الرشوة من ظلم للآخرين أو تغيير في حقائق الأمور، وذلك أن المحسوبية هي خاصة بإنسان محسوب عليك لأنه من أهلك أو من خدمك أو من أصدقائك أو من أقاربك أو عشيرتك، ومثلها المحاباة وهي مجاملة إنسان لمكانته أو قرابته أو لخوفٍ منه أو لغير ذلك فتعطيه ما لا يستحق من مال الدولة أو من مال غيرك، كمال الشركة أو المؤسسة التي تعمل بها أو تعطيه منصبًا لا يستحقه أو ترسي عليه مزادًا مثلًا بطريقة غير مشروعة، أو تقدمه في التوظيف على من هو أولى منه حسبما وضع من أصول لذلك، وهذا يعتبر من الظلم ومن الأمراض الخطيرة على الأمة؛ لأن معناها أن المبادئ ليست هي  التي تسود الأمة، وأن الأخلاقيات قد سُحقت تحت أقدام الراشي والمرتشي والمجامل على حساب الآخرين، كما سحقت تحت أقدام المحاسيب.

أما إن كانت المحسوبية والمجاملة في مواطن الضرورات الملحة الشرعية، والاستثناءات النادرة الضرورية فلا بأس بها، شريطة أن لا تمس المصلحة العامة، فالإسلام دين رحمة لقوله عليه الصلاة والسلام: «من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».

عباد الله: كونوا إخوانًا متحابين مترابطين وجنبوا أنفسكم الزلل ومزالق الشيطان، فهو يسهل عليه أكل الحرام، واجعلوا بينكم وبين النار وقاية، فمن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب، وازرعوا في قلوبكم وقلوب زوجاتكم وأولادكم الخوف من الله ومن عقابه؛ تنالوا بذلك رضا الله وجناته، وصلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى، فقد أمركم بذلك المولى جل وعلا فقال – عز من قائل عليمًا –: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن صحابته الأجلاء، وأخص منهم الخلفاء الأربعة وباقي العشرة وأمهات المؤمنين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين وأذل الشرك والمشركين، اللهم أهلك الطغاة الملحدين، اللهم اهلك اليهود والمغتصبين، وحرر المسجد الأقصى من براثنهم، اللهم عليك بكل عدو ظاهر وباطن يريد النيل من الإسلام والمسلمين، اللهم أغث قلوبنا لطاعتك وهداك، واهد ضال المسلمين لطريقك القويم، وجنبنا الحرام، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيتهم للبر والتقوى، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
download mobile firmware
Free Download WordPress Themes
free online course