اتصل بنا
أمراض القلوب.. الآثار والعلاج!
20/04/2001

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله وحده، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

أيها الإخوة في الله: هل فكرنا كم من الوقت نقضيه في العناية بمظهرنا من لباس ومنزل وسيارة وغيرها؟ وكم ندفع من الأموال الكثيرة لعلاج أمراضنا الجسمية والمحافظة على صحتنا وعافيتنا؟ وهل فكرنا فيما نتخذه من احتياطيات ونتناول من أدوية حتى لا نصاب بأي مرض حقيقي أو وهمي؟ ولا شك أننا نعلم أن أمراضًا كثيرة تعتري القلب والنفس أشدّ خطرًا على حياة الإنسان من تلك الأمراض الجسمية؟ وأنها تقضي على صاحبها رويدًا رويدًا من حيث لا يشعر، بحيث يتحول هذا القلب إلى قلب مريض، لا يأتمر بمعروف ولا ينتهي عن منكر، وإذا كنا عرفنا ذلك، فهل اتخذنا من الوسائل المشروعة والاحتياطات اللازمة ما يقينا شر الوقوع في هذه الأمراض.

لأجل هذا وذاك حريّ بنا أن نتحدث عنها في هذه الخطبة تذكرة لأنفسنا أولًا، ولكل من نحب له الخير، سائلين الله سبحانه جلت قدرته أن يعيننا على تزكية أنفسنا، وإصلاح قلوبنا، إنه جواد كريم.

معاشر الأحباب: يكتسب الحديث عن أمراض القلوب والنفوس أهمية خاصة، وذلك لعدة أمور، منها: أن الله سبحانه وتعالى أمر بتطهير القلوب والنفوس وتنقيتها وتزكيتها، بل جعل من غايات الرسالة المحمدية: تزكية النفوس وقدّمها على تعليمهم الكتاب والحكمة لأهميتها، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، ولقوله سبحانه: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾.

ثانيًا: كثرة انتشار أمراض القلوب والنفوس بين الناس في هذا الزمن -إلا ما شاء الله- من غلٍ وحسدٍ وكراهية وسوء ظنٍ، وكبر واحتقار واستهزاء وسخرية، وما نتجت عنه من حدوث الخصومات في الحقوق والأموال بحق وبباطل، وهجر بعضهم البعض وقطيعته، والتكالب على الدنيا وشهواتها، وجعلها هي أكبر همّ أحدهم ومبلغ علمه.

ثالثًا: ظهور آثار مرض القلوب والنفوس في حياة المسلمين من الإحساس بثقل الصلاة على القلب، وإذا دخل فيها لا يخشع، وضعف الخشية من الله في السر، فالعيون لا تبكي خشية وخوفًا من عقابه أو رجاء رحمته، وكثير قد هجر القرآن، وإن قرأه لا يلين له قلبه، ولا يقشعر منه جلده، ولذلك ضعف الفرح بفعل الحسنة، وعدم الحزن على فعل السيئة.

رابعًا: إن القلب والعقل والنفس في حياة الإنسان هو الموجه والمخطط، والأعضاء والجوارح تنفذ، فإذا طهر القلب والعقل والنفس من أمراضه وأدواته، وشكوكه وشبهاته، أطاع الإنسان ربه وعبده حق العبادة، وتحسنت أخلاقه، واستقامت أحواله، وسِعِدَ في نفسه وأسْعدَ غيره، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: “القلب ملكُ والأعضاء جنوده، فإذا طاب القلب طابت جنوده، وإذا خبث القلب خَبُثَت جنوده”.

خامسًا: إن مناط قبول الأعمال عند الله وعِظَم أجرها ليس بكثرة العمل ولا بما يكتنفه من مشقة أو تعب، وإنما بحقيقة ما يقوم في القلب لله من إخلاص له، والتجرد من الأغراض النفسية والدنيوية، وكلما كان القلب طاهرًا والنفس زكية، والعقل خاشعًا عَلَتْ منزلة العبد عند ربه، وارتفعت درجته في الجنة ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

أخي المسلم: إذا أردت أن تعرف هل قلبك صحيح من الأسقام والأمراض، وأنه يؤدي دوره الذي من أجله خُلق، فتعال وانظر إلى هذه العلامات التي ذكرها طبيب استشاري، ومربي كبير، وعالم نحرير هو ابن القيم رحمه الله، عندما شَخَّص هذه العلامات فقال: ليعرض كل منا قلبه عليها -أي العلامات-، فإن كانت موجودة فليحمد الله، وإن كان غير ذلك فليسارع إلى علاجه قبل استفحال دائه، وعندها لا ينفع طبيب ولا علاج، والعلامات هي:

1- أن لا يزال العبد يضرب على صاحبه حتى يتوب الله وينيب.

2- ألا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من عبادته.

3- أنه إذا فاته ورده (نصيبه اليومي من الذكر والطاعات) وجد لفواته ألمًا أشد من فوات ماله. ورحم الله ابن القيم، إذا ما عساه يقول فيمن ليس له وِرد مطلقًا، بل ما عساه يقول فيمن إذا فاتته الصلاة المفروضة لا يجد في قلبه ألمًا أو حسرة.

4- أن يجد لذةً في العبادة أكثر من لذة الطعام والشراب.

5- أنه إذا دخل في الصلاة ذهب غمه وهمه في الدنيا، ونحن لا تجتمع الأمور والأعمال علينا إلا في الصلاة.

فأين لذة الصلاة عند هؤلاء؟ وأين الصلاة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيها: «أرحنا بالصلاة يا بلال»، ويقول: «جعلت قرة عيني في الصلاة»، أم أن لسان حال بعض المصلين اليوم أصبح يقول: أرحنا من الصلاة يا إمام.

6- أن يكون همه لله وفي ذات الله، وهذا مقام رفيع.

7- أن يكون شحُّه بوقته أن يذهب ضائعًا أشد من شح البخيل بماله.

8- أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثرَ من اهتمامه بالعمل ذاته.

قال تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾، وقال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

هناك عدة أمراض تصيب القلب والنفس والعقل، وإن من أخطر هذه الأمراض وأشدها فتكًا بالإنسان وأفظعها عاقبة في الآخرة مرضَ النفاق، ولا يتصور أحد أن النفاق قد انتهى بنهاية عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونهاية المنافقين كعبدالله بن أبي بن سلول وغيره، بل إن النفاق الآن لا يقل خطورة عنه في الماضي، والنفاق يبدأ بارتكاب أعماله القولية وغيره، كمثال الصفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم «أربع من كن فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» متفق عليه.

إذ إن الإنسان إذا تمادى فيها ولم يتب منها وتعلق قلبه بالشهوات والشبهات، فإن ذلك قد يجره إلى النفاق الاعتقادي نعوذ بالله منه.

لهذا كان السلف الصالح من أشد الناس خوفًا على أنفسهم من النفاق، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يناشد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: هل عَدَّني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟، فقال: لا، ولا أزكي أحدًا بعدك.

اللهم جنبنا الفواحش والآثام وأمراض القلوب والنفوس والعقول، اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأكرم نزلنا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الصحابة الأجلاء، وعن العشرة وأمهات المؤمنين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين إنه جواد كريم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
download intex firmware
Download WordPress Themes
online free course