بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إن الحمد لله وحده نستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
عباد الله: نتحدث اليوم عن الطرق والوسائل الناجعة للشفاء من أمراض القلوب.
فيمكن الشفاء من أمراض القلوب – بإذن الله تعالى – بأن نتوكل على الله، ونثق بأنه هو الشافي، ونبدأ بما يأتي:
أولًا: الاعتراف بأن ما يصيب القلب والنفس والعقل من فساد في السلوك أو ضعف في العقيدة، هو ألد الأمراض التي تصيب الإنسان، وهذا الاعتراف أساس للعلاج، وكيف يبحث عن الدواء أو أن يقبل به -حتى ولو عُرضت عليه طرقه السهلة وأبوابه الكثيرة- من لا يعترف بأنه مريض القلب، أو لم يشعر بآثاره الخطيرة عليه في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: تعلم العلم الشرعي: فالعلم بالكتاب والسنة وما يتبعهما من قراءة واطلاع في كتب أهل العلم والتربية الموثوقين من السلف والخلف؛ تُبصر الإنسان بمثل هذه الأمراض ومن ثم تدله على طرق العلاج الصحيحة.
ثالثاً: المحاسبة والتوبة والمراقبة: ما من مسلم إلا ويلم بأيّة معصية صغرت أو كبرت، ولكن العاقل لا يصر عليها، وإنما يسارع إلى التوبة من أي ذنب وقع فيه وخاصة ذنوب القلوب، وهذه المسارعة لا تتأتى إلا لكل من حاسب نفسه وراجع أقواله وأعماله وعرضها على الكتاب والسنة، فما وافقهما حمد الله عليه، وما خالفهما تاب منه، كما أن هذه التوبة الطارئة لا تكفي في استقامة حال المسلم، بل لا بد من المتابعة والمراقبة المستمرة حتى لا يقع فيما بعد في أي ذنب وهو لا يشعر به، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم للصدِّيقة بنت الصديق – رضي الله عنهما -: «وإن كنتِ ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه».
رابعًا: الصدق مع الله والإخلاص له، لأن علاج مثل هذه الأمراض القلبية لا يفيد في التخلص منها الجهد البشري واتخاذ الأسباب المشروعة فحسب، بل لا بد مع ذلك من صدق مع الله، وإخلاص للذي بيده مفاتيح القلوب وكل شيء في هذا الكون، وعلى قدر صدق العبد وإخلاصه تكون إعانة الله عز وجل له على التخلص من هذه الأمراض والنجاة.
خامسًا: الخشية والخوف من الله: وأن يستشعر المسلم عظمة الله عز وجل وقدرته عليه أن يأخذه في أي لحظة من اللحظات وهو مقيم على تلك الذنوب الكبيرة، فيكون حينئذٍ حسابه عسيرًا وعقابه شديدًا، أو يستشعر أن الله قادر على أن يجعل عقوبته في هذه الدنيا بأخذ سمعه أو بصره أو عقله، أو يعمي قلبه وبصيرته، أو يكسد تجارته أو يفسد أولاده أو غير ذلك من عقوبات الله لكل من لا يخافه ولا يرجو له وقارًا، ويجعله أهون الناظرين إليه.
سادسًا: كثرة الأعمال الصالحة: ومن الخطوات العملية للعلاج أن يحرص المسلم على التزود بالأعمال الصالحة، مثل:
1-المحافظة على الصلوات الخمس جماعة.
2-بر الوالدين.
3-أداء السنن الرواتب.
4-صلة الأرحام.
5-حسن الجوار.
6-صيام النوافل.
7-صلاة الضحى.
8-قيام الليل.
9-صلاة الوتر.
10-الصدقة وخاصة السرية.
11-زيارة المرضى والعطف على الفقراء والمساكين.
سابعًا: المداومة على ذكر الله: فذكر الله من الأسباب التي تعين على الشفاء والعافية من هذه الأمراض وكل مرض، لهذا يشرع للمسلم أن يكون لسانه رطبًا بذكر الله في كل زمان ومكان، وعلى كل حال (إلا ما استثني).
ومن أنواعه:
1-أذكار الأحوال والمناسبات، كأذكار دخول البيت والخروج منه، والأكل والنوم وغيرها.
2-أذكار الصباح والمساء.
3-الأذكار، ذوات العدد كالتهليل مائة مرة وسبحان الله مائة مرة.
ثامنًا: الدعاء: وهذا سلاح المؤمن في كل أحواله وملجؤه عند كل شدة وكرب وضر، لذا فإن المسلم حريص دائمًا على أن يسأل الله من فضله وخيره وبره، ويسأل كذلك أن يكفيه كل شر ومصيبة، ويعافيه من كل مرض وداء، فلنحرص عليه وخاصة في الأوقات والأحوال التي تُرجى فيها الإجابة.
تاسعًا: التعلق بالآخرة والإيمان بزوال الدنيا: إن المسلم عندما يتأكد من أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وأنها زائلة اليوم أو غدًا وأنه مهما عاش من عمر طويل سيكون مرده إلى الموت والقبر، وأن الآخرة وما فيها من جنة ونار هي النهاية، كان ذلك من الأسباب المعينة له على تطهير قلبه من كل أمراضه وأدوائه، بل ومسارعًا في ذلك حتى لا يلقى الله وفي قلبه أدنى مرض أو شبهة.
عاشرًا: مجانبة اتباع الهوى والشيطان: الشيطان والهوى لا يريدان للمسلم أي خير مطلقًا وإن تظاهرا بخلاف ذلك، فإذا أيقن بهذه الحقيقة وعرف أنهما سببان كبيران فيما يقع فيه من معاصي القلوب أو الجوارح، استعد لمجاهدتهما الاستعداد اللازم من الصبر والمثابرة على اتباع الحق، وسلوك طريق الخير وأعمال البر، والابتعاد عن كل ذنب ومعصية، فإن الربح والفوز في ذلك، وإن كانت شاقة على النفس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه.
الخطبة الثانية
المرض الثاني: الرياء:
وهذا كذلك مرض خطير جدًا، وذلك لخفائه ولأثره العظيم في إفساد العمل، وقلة من يسلم منه، وقد جاء في الحديث يقول الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».
ومن مظاهره أن تجد الإنسان يصلي ويُحَسِّن صلاته إذا رأى الناس، وإذا لم يرهم تكاسل عنها أو أداها بسرعة، وقد يتصدق لأجل أن يقال فلان تصدق، أو يصوم أو يطلب العلم أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو غير ذلك من الأعمال التي ظاهرها حسن ولكن باطنها مشوب بالرياء قليلًا كان أو كثيرًا.
3-الحسد والغيرة:
ومن منا ينجو منهما، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الحسد مرض من أمراض النفس، وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس) ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.
وفي الحديث الشريف المتفق عليه «لا تباغضوا ولا تحاسدوا».
ومع الأسف الشديد بعض الناس يحسد غيره على ما آتاه الله من مال أو صحة أو منصب أو ولد أو أي نعمة أخرى، وهذا فيه من الخطورة ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عندما حذر منه فقال: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».
4-الكبر والإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين والاستهزاء بهم: وهذا مرض عضال نوه عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». وقد كثر في هذا الزمان احتقار الآخرين والتعالي والتكبر عليهم، بسب ما أنعم الله عليه من كثرة مال أو وظيفة عالية أو نسب رفيع أو غير ذلك من حطام الدنيا وزخرفها الزائل.
5-الهوى ومحبة غير الله: وهذا المرض آفة من الآفات الشديدة، فالإنسان عندما تكون محبته وموالاته ومعاداته لغير الله، وفي سبيل دنياه وأهوائه وأطماعه الشخصية، فهذا لا شك موصل صاحبه إلى الهلاك والبوار، ولهذا أخي المسلم هل تستطيع أن تسأل نفسك هذا السؤال: هل كل علاقاتي وأصدقائي وأخذي وعطائي ومحبتي وكرهي، لله أم لغيره؟
الجواب: ابحث عنه من خلال مراجعتك لحياتك الخاصة والعامة.
6-قسوة القلب: وهو مرض قلّما ينفك أحد منه في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب هذا المرض بالذات، من كثرة الكلام بغير ذكر الله، وأكل المال الحرام، والغيبة والنميمة، وسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام الهابطة، وكثرة الضحك، والأكل والنوم وغيرها، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾، وذكر الله عز وجل هذا المرض وما يترتب عليه من آثار سيئة على صاحبه، توعد الله أصحابه بالعذاب الشديد بقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾.
وأخيرًا عباد الله: صلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى فقد أمركم بذلك المولى جل وعلا، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.