اتصل بنا
“إنما المؤمنون إخوة”
29/03/2002

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خليل الله صلى الله على سيد الخلق وإمام الهدى وخاتم النبيين والمرسلين، صلِّ على رسولنا كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، وصلِّ عليه في الأولين والآخرين، صلاة تليق بجلال قدره إنك أنت الرحمن الرحيم أما بعد:

فإن الإسلام يهتم بالأخوة الإسلامية ويحيطها بسياج من تعاليمه وأوامره، ويعمل على إشاعتها بين أبنائه، وإقامتها على شرع الله من المودة والمحبة.

والأخوة في الإسلام تقتضي تبعات جسام، الأخ يهتم بأمر أخيه في العقيدة والدين، ويُعنى بشؤونه ويتفقد أموره، ويرشده إلى أقوم السبل ويقف بجواره إن حل به مكروه، أو نزلت به نازلة، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.

والدعوة الإسلامية في بداية نشأتها، تدعمت بالأخوة الصادقة بين صاحب الدعوة وأبو بكر الصديق، لقد وقف أبو بكر رضي الله عنه بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هم المشركون أن يخرجوه أو يقتلوه، وضحى بكل ما يملك في سبيل الدعوة إلى الله، وعندما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «وماذا تركت لأولادك يا أبا بكر؟»، قال بلسان الأخوة والتعاون الذي أمرنا الله بهما: (تركت لهم الله ورسوله).

وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة تركوا المال والولد، وكل ما يربطهم بالحياة الفانية فرارًا إلى ربهم، وفي مجتمع المدينة آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ولم يكن هذا التآخي لمجرد المشاركة في عروض الحياة الفانية، ولا من أجل شهوات النفس ورغباتها، ولكنه كان أعمق من ذلك، لقد كان من أجل الإيمان بالله، والرغبة في نشر الإسلام في كل أرجاء الأرض.

ولقد قدم الأنصار في سبيل ذلك كل ما يملكون، سخيةً بها نفوسهم، لا يطلبون إلا الثواب من الله، والأمل في رضوانه، ولقد سجل القرآن الكريم هذا الإيثار الذي قابل به الأنصار إخوانهم المهاجرين، الفارين بدينهم إلى الله بقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾، وعندما كان النصر المؤزر والفتح المبين – فتح مكة – وقف الرسول صلى الله عليه وسلم أمام الكعبة، مخاطبًا أعداء الإسلام الذين كانوا لا يدخرون جهدًا في سبيل القضاء عليه إلى الأمس القريب، وقف الرسول قائلًا: «أيها الناس ما تظنون أني فاعل بكم؟»، قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». نعم هكذا يجسد الإسلام معاني الأخوة الإسلامية، ويجعلها قائمة تحت رباط الإيمان بالله تعالى.

والعمل الخيري بكل أبعاده يأتي تحت هذا المعنى، وفي هذا الاتجاه، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا أحدٌ إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدّم ومال وارثه ما أخر» رواه البخاري. والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا كلها تحث على بذل الخير والعمل فيه، وهذا دافع لكل مسلم أن يجود بما فضل من ماله، بل النفيس من ماله، قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، والبر يعني الجنة في أحد معانيه. اللهم اجعلنا من أهل الجنة.

أيها الإخوة: من عظيم فضل الله علينا في هذا البلد الطيب المبارك المعطاء، أن كان لنا الحضور الدائم حكومة وشعبًا، بل كانت لنا القيادة والريادة دون الناس، فحيثما يكون وجهك مشرقًا أو مغربًا داخل العالم الإسلامي أو خارجه، ستجد الجميع يتحدثون عن مآثر هذا البلد وسخائه اللامحدود، ستجدهم يحيون هذا البلد وأهله وحكومته لما لهم من أيادٍ بيضاء في مد يد العون لهم، والوقوف بجانبهم ومساندتهم على اجتياح المحن والأزمات التي كادت أن تعصف بهم، ومن هنا لم يكن من المستغرب أبدًا أن يكون هذا البلد وشعبه هدفًا لمؤامرات الأعداء يرمونه عن قوس واحدة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

عباد الله: نعم إن ما تخفيه صدورهم أكبر، إنهم لا يريدون بتهجمهم على هذا البلد، البلد ذاته بل الإسلام، لأنه مهد الإسلام، منه انطلق وإليه يأوي، ولأنه لا يزال ولله الحمد رافعًا رايته، ساعيًا في خدمته، داعيًا لتطبيق شريعته، حاملًا لهمومه، مدافعًا عن قضاياه ومن هنا كان النيل منه نيلًا من الإسلام ذاته.

أيها الإخوة: إننا مدعوون في هذا الوقت بالذات أكثر من أي وقت مضى، إلى العمل بجد وإخلاص في سبيل خدمة هذا الدين، والذب عنه لتتحطم مؤامرات أعدائه على صخرة الحق إن شاء الله.

إننا مدعوون إلى إدراك دور المؤسسات الخيرية التي تحددها الدولة ودعمها؛ نظرًا لما تحققه من فوائد عظيمة وآثار نبيلة، إذ أنها تمثل الجانب السلوكي في الإسلام، وإن الإسلام لم ينتشر بالمنهج العلمي، بقدر ما انتشر بالجانب السلوكي العملي.

وقديمًا قيل:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم    لطالما استعبد الإنسان إحسانُ

إننا لا نريد أن نجعل قلوبهم مستعبده لنا، بل لدين الله سبحانه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

اللهم انصر الإسلام وأهله، وأيدهم بتأييدك وعونك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأحيينا بالإسلام وأمتنا عليه، اللهم وفق ولاة المسلمين إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين الظالمين الذين يتربصون بالإسلام وأهله الدوائر، اللهم تب علينا وهب لنا من لدنك رحمة وأصلح شباب المسلمين وفتياتهم، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى الآل والصحب، والأزواج أمهات المؤمنين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقيموا الصلاة.

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
download micromax firmware
Free Download WordPress Themes
online free course