اتصل بنا
العلاقات بين الناس
17/01/2003

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله في الأولى والآخرة، نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

 

عباد الله: إن من يعيش في المدن الكبيرة التي تباعدت أطرافها، وكثرت الحركة فيها وصعب التنقل في أنحائها وجهاتها، يجد صعوبة ومشقة في التواصل والتزاور مع أقربائه وأحبائه إذا كانت جهاتهم في البلد متباينة ومتباعدة، لاسيما إذا كان مع ذلك ارتباطات عملية خاصة أو عامة، فيقتصر في كثير من الأحيان على الحديث معهم والسؤال عنهم عن طريق جهاز الهاتف، الذي أنعم الله به على عباده في هذا الزمان، ولا يذهب لزيارتهم بنفسه إلا في المناسبات، كمناسبة زواج أو وليمة عامة أو في يوم عيد، ولاشك أن هذا أمر واقع وحقيقة قائمة، وقد يعذر الإنسان في قلة الذهاب بنفسه لزيارة أقربائه وأحبابه الذين هم في طرف البلد وهو في طرف آخر، ولكن الظاهرة التي تلفت الأنظار وتبعث على الأسى! هي أن الناس في الحي الواحد من أحياء البلد الكبير، ليس بينهم تواصل وتزاور واجتماعات أسبوعية أو شهرية، لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، الجار يجهل جاره لا يعرف اسمه كاملاً، لا يعرفه إلا بكنيته، ولا يدري أين يعمل ومن أي الناس هو، مع أنه يراه في المسجد وقد يكون بجانبه فيه، كل واحد منهم قد أغلق بابه عليه، لو أتى أحد غريب عن هذا الحي، وسأل أهله عن أحد الساكنين فيه فلن يعطي جوابًا، كل يقول له: لا أدري، ما أعرف، قد يكون في هذا الحي أسرة محتاجة فقيرة، فلا يدري أهل الحي عنها، قد يكون فيه أسرة مكلومة مهمومة فلا ينتبه لها، يمرض أحدهم ويشفى وجاره والساكنون في هذا الحي لا يعلمون بمرضه، قد يموت ولا يشعرون بموته، ولاشك أن هذه ظاهرة غريبة على مجتمعنا، لم تكن معروفة في أسلافنا، وهي تنافي ما أمر الله به عز وجل، وأمر به رسوله عليه الصلاة والسلام من التواصل والتعارف بين الناس، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث».

كون هذا الأمر يحصل في المجتمعات الكافرة، التي نبذت دين الله عز وجل وراءها ظهريًا، واستبدلت الأخلاق الفاضلة بالأخلاق الرذيلة، فليس بغريب بل إن هذا هو نتاج الكفر بالله عز وجل، وعاقبة البعد عنه سبحانه وتعالى، لكن أن يحصل بين مجتمعات المسلمين وبخاصة في هذا البلد، غريب حقًا ومؤلمًا جدًا، إن لهذه الظاهرة أسبابًا ودواعي، يأتي في مقدمة هذه الأسباب وعلى رأسها: ضعف الباعث الديني في القلوب، ليس في القلوب باعث ديني قوي، يبعث على التواصل والتعارف والتزاور بين الناس في الحي الواحد، لأن هؤلاء الذين حصلت منهم هذه الظاهرة، لو فكروا وتأملوا ما في التواصل بين الناس من الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله، وأيقنوا بهذا إيقانًا تامًا لما حصل منهم هذا التقاطع وهذا التباعد، ولو فكروا وتأملوا أيضًا ما في التواصل والتزاور؛ من الأثر العظيم على القلوب من حلول المحبة والمودة فيها، وذهاب البغض والحقد والحسد، لما حصل منهم هذا الأمر، ولو علموا أن في التواصل والتزاور إغاظة للشيطان ولأوليائه من الإنس والجن، وأن في هذه الإغاظة أجرًا من الله وثوابًا؛ لبادروا إليه بطيب نفس ورضا قلب، قال الله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولكن جهلهم بهذا هو الذي أدى بهم إلى الوقوع في هذا الأمر الغريب على مجتمعنا.

ومن الأسباب التي جعلها هؤلاء أسبابًا لهذه الظاهرة: أن كل واحد منهم يرى أنه أحق بالزيارة، والسؤال عنه من غيره، لكونه شريفًا أو وجيهًا أو نسيبًا أو حسيبًا، أو ذا مال أو منصب، وهذه في الحقيقة رؤية الجاهلية، ونظرة عمياء صماء، هل في بني آدم كلهم أشرف وأكرم وأوجه وأفضل نسبًا وحسبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أبدًا، ليس في بني آدم أشرف وأكرم وأوجه وأفضل نسبًا وحسبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا كان يزور الضعفاء والفقراء والأعراب، ويسأل عن أحوالهم ويتفقد أمورهم ويعود المرضى ويشهد الجنازة ويجيب الدعوة، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم، ولم ينظر إلى ما نظر إليه هؤلاء.

ومن الأسباب: أن بعضهم يتعذر بكثرة الأعمال والارتباطات، ويجعلها هي الحائل بينه وبين التواصل والتعارف والتزاور مع أهل حيه، وهذا لا يسلم له، فهل هو كل ليله ونهاره وأيامه في ارتباط وعمل؟ أبدًا، وهل هو أكثر عملًا وأشد مسؤولية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لم تمنعه مسؤولية أداء الرسالة والدعوة إلى الله من زيارة أقربائه وأصحابه ومن حوله، ووصلهم والسؤال عنهم، أفلا يتخذ هذا يوماً في أسبوعه يتعرف على جيرانه وأهل حيه، ويتواصل معهم ويتعرف عليهم، فقد يكون مسؤولًا مهمًا في الدولة فيسعى في قضاء حاجة المحتاج من جيرانه، وأهل حيه وتسهيل أمورهم، أو ثريًا فيواسي الفقراء والمحتاجين من ماله، ويعينهم على نوائب الدهر، أو وجيهًا فيستفيد الناس من جاهه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه وهم جلوس حوله: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء».

ومن الأسباب الشخصية التي تكون في بعض الناس لا في كلهم:  الاستحياء من مقابلة الناس والدخول معهم والتعرف عليهم، والخوف مما قد يحصل من الأذى القولي أو الفعلي، وهذا استحياء مذموم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». والأسباب عباد الله كثيرة وما ذكرناه بعض منها.

إن هذه الظاهرة داء ولكل دواء، وقبل معرفة الدواء يحسن بنا أن نعرف الآثار السيئة الناجمة عن هذه الظاهرة، وهذا ما سنتطرق إليه في الخطبة الثانية.

قال أحد السلف: السبب المؤدي إلى التقاطع والهجران بين المسلمين ثلاثة:

أحدها: وجود زلة من أخيه المسلم ولا محالة يزل، فلا يفضي عنها ولا يطلب لها ضدها.

ثانيها: إبلاغ واش يُقدح فيه ويشي عاذل يثلب عليه، فيقبله ولا يطلب لتكذيبه سببًا ولا لأخيه عذرًا.

ثالثها: ورود ملل يدخل على أحدهما، فإن الملالة تورث القطع ولا يكون لملول صديق.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

إن للتقاطع في أفراد الحي الواحد آثارًا سلبية، وعواقب سيئة، أذكر لكم عباد الله بعضها؛ لتدركوا أهمية التواصل والتعارف والتزاور بين أفراد الحي الواحد، أول هذه الآثار وأشدها:

التعرض لعقاب الله عز وجل؛ لأن التقاطع والتدابر والتهاجر بين المسلمين معصية لله عز وجل ومعصية لرسوله عليه الصلاة والسلام.

ثاني هذه الآثار: الوحشة والبعد اللذان يحصلان بين المسلم وأخيه بسبب هذا التقاطع والهجران، فكلما طال أمد التقاطع والتدابر بين المسلم وأخيه زادت الوحشة بينهما وزاد البعد بينهما، فينتج عن ذلك أثر سيء هو ثالث الآثار السيئة للتقاطع، ألا وهو غياب التعاون بينهما على البر والتقوى والتناصح والتشاور، فيسكت أحدهما عن الآخر فلا يتعاون معه على البر والتقوى، ولا يحصل بينهما تناصح وتشاور، بل ربما سعى أحدهما فيما فيه عنت أخيه ومشقته والعياذ بالله، وليس هذا من صفات عباد الله المؤمنين، أما مع التواصل والتزاور؛ فيستفيد المسلم من إخوانه نصحًا وتوجيهًا وإرشادًا، فقد يكون عند الإنسان مشكلة صعب عليه حلها، فيعرضها على من يتوسم فيه العقل والرزانة ويتعاون معه على حلها.

رابع الآثار: التقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كيف ذلك؟

عباد الله: إذا لم يكن بين أفراد الحي جميعًا تواصل وتزاور وتعارف، وكان في الحي منكر ظاهر، فقد لا يتجرأ أحد أن ينكر على صاحب منكر منكره، وإن تجرأ أحدهم فقد لا يلقى له صاحب المنكر باله ولا يأبه له، لأنه يرى أن سائر أفراد الحي ساكتون وهو الوحيد الذي قام بالإنظار عليه، فيستمر على منكره وسوءه، وحينئذٍ قد يكون لصاحب المنكر هذا أثر على بعض أفراد الحي؛ فيقتدون به في منكره ويحاكونه فيه، لأنهم يرون أن أحدًا لا ينكر عليه ولا يردعه عن منكره، فلو كان أهل الحي متكاتفين متواصلين كلمتهم واحدة؛ لأنكروا جميعًا على صاحب المنكر وأمروه أن يقلع عن منكره، ويتوب منه حتى ولو كان صاحب المنكر ابنًا أو أخًا للمنكر، وإلا رفعوا أمره إلى أصحاب الشأن ليتخذوا اللازم معه.

خامس هذه الآثار: التقاعس في النظر في مصلحة الحي وما يحتاج إليه من أمور عامة، فإذا لم يكن بين أفراد الحي تواصل وتعارف، لم ينظروا في مصلحة حيهم وكلٌ يَكِل الأمر إلى غيره، فلا تكون كلمتهم واحدة.

هذه عباد الله بعض الآثار السيئة التي تنجم في الغالب بسبب التقاطع والهجران بين أفراد الحي، وإذا ما عرفتم هذه الآثار السيئة؛ أدركتم العلاج لهذه الظاهرة السيئة، وأن علاجها يكون بما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إليه، من الحرص على التعاون والتكاتف والتواصل بين المسلمين، والحذر من التقاطع والهجران.

فالخير عباد الله في التواصل والتعارف والتزاور بين الناس، والشر في التقاطع والتدابر والهجران بينهم، وأمنية أعداء الله ورسوله والمؤمنين، أن يكون التقاطع والتدابر بين المسلمين سواء في أحيائهم أو مجتمعهم أو بلادهم، فلنتق الله عباد الله ولنحرص على ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق، ونحذر ما حذرنا منه من مساوئ الأعمال ورذائل الأخلاق؛ نفلح بإذن ربنا جل وعلا.

اللهم أصلح فساد قلوبنا واعصمنا من الفواحش والآثام وكل ما يغضب وجهك الكريم، اللهم أصلح أحوال المسلمين واجمع بينهم بالخير والألفة والمحبة والتعاون، اللهم انصر عبادك وأولياءك، وأهلك أعداءك أعداء الدين، اللهم من أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، اللهم وفق ولاتنا وولاة المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين واغفر لموتانا وموتى المسلمين.

 

عباد الله: صلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى الآل والصحب والأزواج والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وقوموا إلى صلاتكم يغفر الله لنا ولكم.

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy free download
download intex firmware
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free