اتصل بنا
“وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين”
19/04/2003

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله: أذكركم ونفسي بوصية الله لنا بالتقوى، فاتقوه ما استطعتم في سركم وعلنكم في خلوتكم وملئكم في منشطكم ومكرهكم في عسركم ويسركم، فالتقوى تاج الكرامة وباب النجاة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.

أيها المؤمنون: إن لله في كونه وخلقه سننًا وآيات، وله في عباده عبرًا وعظات، فالخلق خلقه، والأمر أمره، أحاطت بكل شيء قدرته ووسعت كل شيء رحمته، وشملت كل الوقائع حكمته، ما يحل بالأمم من سعادة وشقاء، وجوع ورخاء، وهلاك وبقاء إلا لأمر يريده سبحانه وتعالى ولا يحدث شيء من ذلك خبط عشواء وصدفة عمياء، بل كل ذلك وفق سنن بينة واضحة، من فهمها استطاع أن يدرك شيئًا من حكمة الله، ومن وعاها استطاع أن يفهم بعض ما يحيط به من أحداث، فسنة الله ثابتة مطردة عامة لا تقتصر على فرد دون فرد ولا على أمة دون أمة، ولذلك كان ربنا يؤكد على الاتعاظ بما حدث للأمم السابقة ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، ما ينزل في ساحة الأمة من مصيبة إلا جاءت متسقة مع سنن الله، فالله قد أعذر وأنذر، سبحان ربنا العظيم الحليم ولا إله إلا هو رب العرش الكريم، لا تقع قطرة ولا تسقط ورقة ولا تقال كلمة ولا يخط حرف ولا تهمس همسة إلا بعلمه وهو العليم الخبير، لا غالب لحكمه ولا راد لقضائه.

أيها الإخوة: لقد قرر الله في كتابه العظيم أن نصره قد كتب لعباده المرسلين وجنده الصالحين: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ. قال المفسرون: هو الوعد المؤكد من الله سبحانه وتعالى بعلوهم على عدوهم في مقام الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة، وقال سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ قال الزمخشري: إن الله تعالى يغلِّبهم في الدارين جميعًا بالحجة والظفر على مخالفيهم، فالمؤمنون فئة منصورة غالبة ظاهرة عزيزة في الدنيا والآخرة وتلك حقيقة قرآنية شهد بها التاريخ وأمرَّ بها الواقع، فإذا منيت الأمة بنكسة وحلت بساحتها هزيمة وقهرها عدوها واستباح حماها فإن ذلك يؤكد هذه الآيات ويقوي اليقين بها إذ إن النصر في هذه الآيات معلل بالإيمان ومكتوب لجند الله الذين يقاتلون لإعلاء كلمته فحسب، أما غيرهم فلا تضمن له هذه الآيات نصرًا ولا تمكينًا.

عباد الله: إننا اليوم بحاجة إلى إعادة التوازن لنعيد لشعوب الإسلام رشدهم، فإن استطاعت آلة الإعلام الغربي أن تعمي الأبناء وتحجب تفاصيل الأحداث، إذا استطاعت أن تسخر من أمة الإسلام وتغيِّب حدثًا عظيمًا بمثل هذه الضخامة ثم تختزله في صورة جزئية هامشية هزيلة لتمثال يُهدم في مشهد من المهانة لأمة  الإسلام والسخرية بوعيها، إذا استطاعت آلة الإعلام الغربي وهيمنتها الاتصالية أن تفعل ذلك، فليس بوسعها أن تغيّب حقائق القرآن ولا سنن الله في الخلق والإنسان، فلقد كانت فئام من المسلمين قد تعلقت بشعارات جوفاء يرفعها حزب أسس فكره ومبادئه على الإلحاد والكفر بالله، وصنع تاريخه بدماء العلماء والدعاة ومحاربة شريعة الإسلام وقهر الناس على الفجور والمجون ثم لما أحاطت به الأخطار وسلط الله عليه من هو أظلم منه، لاذ بشعارات كل واقعه وتاريخه ويشهد بكذبه، كان سواد عظيم من المسلمين تحت ضغط الشعور بالمهانة، يرون في هذا الحزب رموزه أملًا في الخلاص، وسبيلًا للعزة، ونصرة للإسلام ورفع كلمة الله شرف عظيم أجل وأكرم من أن يناله أدعياء تشهد وثائقهم بكفرهم وينطق تاريخهم ببغيهم وظلمهم، فالله قد ضمن النصر للمؤمنين فحسب، وهم الذين يكونون مؤمنين بحسب أوصاف ومقاييس الإيمان التي بينها الله في كتابه وسنة نبيه، لا أن يكونوا بادعاءاتهم وتخيلاتهم، قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ، قال المفسرون: وهي نص في تعليل النصر بالإيمان فهو الشرط الأول، ثم يأتي اشتراط القوة والاستعداد، ومثل تلك الأحزاب المؤسسة على الكفر والإلحاد أقل وأذل من أن يمنعوا ديارًا أو يحموا ذمارًا أو يغاروا على أرض أو عرض، ذلك أنهم ليسوا على شيء حتى عروبتهم التي بها ينعقون، يكفرون بما تمليه عليه من منعة وشجاعة، وإباء للضيم، وجود بالنفس دون الحرم، إنما هم عبيد دنيا، متى برقت لهم مطامعها هبوا إليها وأسلموا في سبيلها كل شيء، ومن خان ربه يخون كل شيء.

كان علماء الإسلام قد وزنوهم بميزان الإيمان وحكموا عليهم بالكفر الصراح، ولكن الأمة كانت سكرى بشعاراتهم وهتافاتهم ولا غرو أن يُسلط عليهم من هو مثلهم أو فوقهم أو دونهم في الكفر، فقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جند الإسلام، فقال: (ولا تقولوا إن عدونا شرٌ منِّا فلن يُسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سُلط عليهم من هو شر منهم كما سلط على بني إسرائيل لما علموا بمساخط الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولاً)، لم يكن هذا الدرس العنيف الذي تلقته أمة الإسلام هو الدرس الأول، فقد انخدعت قبل ذلك بشعارات وقيادات فلم تزدها إلا رهقًا.

عباد الله: إن ثمة مرحلة من الوعي والإدراك لابد أن تقطعها الأمة في مسيرتها إلى النصر فلربما ربتها هذه المحنة الأليمة على سبر القيادات وتفحص الشعارات، وعلتها أين تضع آمالها ولمن تهب ثقتها وحبها، ألا ولتنظر أمة الإسلام إلى أعدائها النصارى الذين كتب الله عليهم الخزي والصغار عبر تاريخهم الطويل لم يتمكنوا من إحراز نصر شريف أو غلبة شجاعة، وإنما كانوا ولا يزالون لا يصلون إلى أهدافهم إلا عبر أنفاق الخيانة وقنوات النفاق، وإذا وصلوا يحاولون تضليل الأمة عن أهدافهم فيسمونه تحرير شعب أو حربًا على نظام، ولكن يأبى الله إلا أن تعرفهم من فلتات ألسنتهم أو تصرفاتهم العفوية، فتراهم يطلقون شعارًا أو ينصبون صليبًا أو ينشرون علمًا يبيح ما تكنه صدورهم.

أيها المسلمون: لئن كان ظهور الكفار غلبتهم فيه ما يزيد من أسى المسلمين ويعمق جراحهم ويبعث آلامهم وأحزانهم فإنه ينطوي على إعداد لهم وتمحيص ويفرض عليهم المراجعة الشاملة لأنفسهم ومدى تأهلهم للنصر الموعود، أما الكفار فما أهونهم على الله: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.

ولما أصيب المسلمون في أحد أنزل الله فيما أنزل بيانًا لبعض حكمه من الإصابة من الأمة: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ففي مثل هذه الظروف يرتكس المنافقون في نفاقهم وتشيد فتنة المنافقين بالكفار وقومهم وحضارتهم، وتمتلئ صدور المرضى بالخوف من بطشهم وتُمزق صدورهم الشكوك في مواعيد الله: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا تلك الصورة المريضة القلقة الحيرى لمرضى القلوب تقابلها صورة المؤمنين المطمئنين لحقائق القرآن الواثقين بمواعيد الرحمن ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا شتان بين قلب المنافق وقلب المؤمن، شتان بين قلب تتنازعه الظنون وتصدعه الشكوك، تردعه التصريحات وتتلاعب به الأخبار والتهديدات، وقلب أترع بالإيمان وركن إلى القرآن وعرف أن كل شيء بيد الرحمن ورأى ربد الباطل ورغاءه فعرف أنه يصير إلى الصغار والهوان.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

أيها المؤمنون: في مثل هذه الظروف ينبغي لأمة الإسلام أن تدرس سنن الله في تدافع الحق والباطل، فكل مراحل الصراع تسير حسب سنن الله الثابتة المنضبطة، ولو تقطعت قلوب المستعجلين للنصر فلن تتغير سنن الله، فليس أحد أكرم على الله سبحانه وتعالى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وقد قص علينا ما عانوه من استعلاء الكفر وتجبره وظلمه، ولقد قرأنا في سيرتهم صفحات مخضبة بالدماء والدموع ولقد بلغنا ما لقوه من الشدائد وتحملوه من الأذى وما قدموه من التضحية والفداء، أخرجوا من ديارهم، وخلعوا من أموالهم وسُفك من دمائهم، فما وهنوا لما أصابهم وصبروا على ما نالهم وسلكوا طريق النصر خطوة خطوة بكل يقين وثقة ودفعوا ما تطلبه من عزيز نفوسهم وحر أموالهم وزكي دمائهم حتى أحرزوه في الدنيا والآخرة، أجل لقد قضت سنة الله أن يأذن بالغلبة والظهور إذا أخذ الجهاد كل ما يستحق من الصبر الجميل، عندها يتنزل النصر في ساعة قد أحاط اليأس بالقلوب ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَوقال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ تلك حقائق القرآن التي يجب أن تؤسس عليها المواقف وتبنى عليها التحليلات وتستنبط منها التوقعات.

هذا وصلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واجعل راية الإسلام خفاقة، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم من أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين منهم سالمين، اللهم اجعل راية الجهاد ظاهرة، اللهم قوِّ عزيمة المسلمين وشد من وطئتهم، اللهم أصلح شباب المسلمين واجعلهم من الذين يذودون عن هذا الدين، واجعل منهم أمثال صلاح الدين وأسامة وأمثالهم.

اللهم وفق ولاة أمرنا واجمع بهم كلمة المسلمين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق يا رب العالمين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
download mobile firmware
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download