بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى والرشاد فأظهره على الكفر وأهل العناد، أحمده سبحانه وأشكره على نعمائه في اليقظة والرقاد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده باليد واللسان والسنان، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم المعاد، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله في السر والجهر والحضر والباد، واستغفروه من جميع الذنوب والمعاصي وتوبوا إليه قبل أن يغلق دونكم باب التوبة والإنابة.
عباد الله: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم» وهذا يدعو إلى الحذر والانتباه والحرص على التمسك بالكتاب العزيز والسنة النبوية الصحيحة التي نطق بها رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وألا نغفل أو نتغافل عن أمر الدين وأحكامه العادلة في العقيدة والعبادات والمعاملات، وفي الاقتصاد والاجتماع والثقافة والإعلام والسياسة والتعامل، وألا نعمى أو نتعامى عن أخلاقه الحميدة وآدابه الرفيعة وأن نحذر من الوقوع في المعاصي والسيئات وارتكاب الحماقات والركون إلى الدنيا وشهواتها وملذاتها ركونًا شديدًا يؤدي إلى الغفلة عن الدين وأحكامه وعمَّا يكاد لأمة الإسلام عامة وأهل السنة خاصة في هذه البلاد وغيرها من بلاد الإسلام من أعداء الدين ورافعي لواء البدعة والضلالة وناشري الفتنة والشهوة والشبهة والشعوذة والخرافة.
إننا عباد الله في زمان اشتد فيه غيظ الكفار وأعداء أهل السنة والجماعة على المسلمين وعقيدتهم الصحيحة وشدوا المآزر وشمروا عن ساعد الجد لإيجاد الفُرقة والخلاف بين المسلمين عامة، بلادًا ومجتمعات وحكامًا ومحكومين، وبين الحكام المسلمين وعلماء الشريعة الذين يحملون العقيدة الصحيحة والسنة النبوية الشريفة خاصة، حتى يعيش المسلمون في وضع يسر العدو ويحزن الصديق؛ فيتمكن الأعداء من النفوذ إليهم ونشر باطلهم وضلالهم فيهم والسيطرة على الموارد في بلاد المسلمين والتحكم في سياسة بلادهم وجعلها تحت سيطرتهم وجبروتهم ومن ثمَّ صد المسلمين عن دينهم الذي به فلاحهم وفوزهم في الدنيا والآخرة أو إبادتهم والقضاء عليهم.
أيها المسلمون: يجب عليكم أن تدركوا هذا جيدًا وتعلموا أنه أمر يحاك لكم في الليل والنهار فلا مجال للهو واللعب ولا مجال للعصيان والإساءة ولا مجال للغفلة والصدود، لا تجمعوا على أنفسكم ضعفًا ماديًا ومعنويًا وضعفًا دينيًا وعقديًا.
إن الأعداء اليوم يفوقون المسلمين في العتاد والعُدة والسلاح البري والبحري والجوي، ويفوقونهم في الأمر المعنوي النفسي، فنفوس الأعداء ينتابها الغرور والتيه ومعنوياتهم مرتفعة فهم يعيشون في خيال السيطرة والعلو على المسلمين، ومع ذلك لم يقفوا عند هذا الحد؛ بل قاموا بالتخطيط السري بعيد المدى والمدة الذي يوصلهم إلى التحكم في المسلمين وبلادهم وثرواتهم ومواردهم مستغلين الضعف الذي يعيشه المسلمون في هذا العصر الحديث، ضعفًا ماديًا ومعنويًا ومستغلين الوضع الذي تعيشه كثير من بلاد المسلمين سواء في داخلها أو مع جيرانها من تحرر شهواني وفكري وضياع وتفكك أسري أو خلاف حدودي بري أو بحري.
لا تتصوروا عباد الله أن الأعداء غافلون أو لاهون، كلا يعملون في الليل والنهار ويرسمون الخطط ويخططون الرسم ويضعون البنود والمواد التي تكفل لهم نجاح مهماتهم الخطيرة في بلاد المسلمين، فلا يليق بنا -عباد الله- أن نغفل عن هذا أو نتغافل ونهمل مصدر عزتنا وكرامتنا وسؤددنا وهو هذا الدين القويم دين رب العالمين، فنغشى المعاصي والسيئات ونلهو ونلعب وننشغل بالدنيا وشهواتها عن طاعة الله وعبادته والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنكون بذلك عونًا للأعداء علينا ومعاولَ هدم لمجتمعاتنا وديننا فإذا كان أهل الباطل والضلال يتفاوتون في باطلهم وضلالهم فأهل الحق والهدى والنور والرشاد أولى وأولى من غيرهم في التفاني في دينهم وأخلاقهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام.
إنكم عباد الله إذا تخليتم عن دين ربكم وأهملتموه فأنتم الفريسة الأولى والطعم الشهي لأعداء الدين، اقرؤوا ما يسطر في بعض الصحف والمجلات عن جزء قليل مما يخطط له الأعداء تجاه بلاد المسلمين عامة وبلاد الحرمين الشريفين خاصة لتعلموا أن الحاجة ماسة إلى التكاتف جميعًا ونبذ الفُرقة والخلاف والوقوف صفًا واحدًا وقلبًا واحدًا مع حكامكم وعلمائكم ودعاتكم والعمل على صد كل ما يدعو إلى الفرقة والخلاف وأن تكونوا على علم بما يحاك لكم بصرف النظر عن من يقوم بدور الشر والفساد، فالعبرة بالعمل لا بالعامل، فالله عز وجل بين لنا في كتابه صفات المنافقين ودورهم في إفساد المجتمع المسلم، ولم يذكر لنا أسماءهم؛ لأن المقصود هو العمل لا من يقوم به، ولتكونوا على بينة من أمر أعداء الدين وخططهم، فإن هناك خطة سرية جُعل لها وقت طويل لتنفيذها، مدارها وقطب رحاها هو إيجاد الفرقة والخلاف بين علماء المسلمين وحكامهم من جهة ومن جهة أخرى العمل على تشتيت أصحاب رؤوس الأموال في بلاد المسلمين وجذبها إلى غير بلادهم حتى يضعف الاقتصاد فيها، وحينئذ تسهل السيطرة على بلاد المسلمين بلا جهد ولا عناء، ومن جهة ثالثة إشغال بقية الناس ممن ليسوا علماء ولا أصحاب رؤوس أموال بمعايشهم وتحصيل أرزاقهم وإغراقهم في فتن الشهوات والملذات وفي الفسق والفجور حتى يغفلوا عن ما يكاد لهم ويصبحوا ألعوبة في أيديهم، لا هم لهم إلا كسبُ رزقهم وتأمين معيشتهم وهذا أمرٌ سهلٌ تأمينه لهم.
هذا جزء من كل، مما يخطط له الأعداء في السر والخفاء، خذوا مثالاً واحدًا على هذا قيام الدولة الصهيونية الخبيثة الكافرة على تراب فلسطين وعلى الأرض المقدسة، قد سبقه تخطيط لقيامها قبل أن تقوم بخمسين سنة، وجعلوا لقيامها بنودًا كثيرة وخبيثة في مؤتمرهم الذي انعقد في إحدى دول أوربا قبل خمسين سنة من قيام دولتهم، تدل هذه البنود على خبث ومكر ودهاء، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وها هي فلسطين والمسجدُ الأقصى يئنان تحت وطأتهم ويذوقان المر والويل من خبثهم وعدوانهم وقد تلطخا برجسهم ونجاستهم.
فعلينا عباد الله أن نقوي العلاقة بيننا وبين حكامنا في هذه البلاد وندعو لهم بالصلاح والهداية والتثبيت وأن نضع أيدينا في أيدي علمائنا الشرعيين ودعاتنا الأخيار وندعو لهم ونكون عونًا للجميع في أداء أعمالهم بما يعود على البلاد بالخير والصلاح، ونكون أمناء في أعمالنا، متعاونين على البر والتقوى والإحسان فإن الله عز وجل قد قال في كتابه الكريم ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾، فالمجتمع المسلم لا يقوم إلا على هذه الركائز الثلاث: الحاكم والعلماء وسائر الرعية، متى تكاتف الجميع على الخير والصلاح سادت المحبة والمودة بينهم وصاروا صفًا واحدًا أمام جحافل الهدم والتدمير والتخريب.
وعلينا أن نحذر أعداء الدين مهما تظاهروا به من حب للخير والصلاح لنا في أن الظاهر الرحمة وأما الباطن فهو العذاب المر والحقد الدفين، ولا عز لنا ورفعة إلا في الإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
اللهم اجعلنا على البر والتقوى متعاونين وعلى الحق والهدى متكاتفين، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أعداء الدين وندرأ بك في نحورهم، اللهم اجعل كيدهم ومكرهم وخططهم وبالاً عليهم ونكالاً إلى يوم الدين، اللهم زلزل الأرض من تحتهم حتى يكونوا عبرة للمعتبرين، اللهم خالف بين قلوبهم وفرق كلمتهم واجعلهم عظة للمتقين، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
إخوة الإيمان: إن الإرهاب المذموم الذي لا يرضاه الله ولا رسوله ولا يرضاه أي عاقل متزن قد سبب ويلات مفجعات ونكبات مثيرات على المسلمين في عصرنا الحاضر ودين الإسلام برئ من أي عمل تجرُ على أهله ويلات ونكبات فضلاً عن إثارة الاضطراب الأمني في الأرض وعدم الشعور بالأمن والاستقرار الذي يعتبر القاعدة الأساسية هو والأمن الغذائي.
قال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾.
إن مثل هذا الإرهاب يعتبر أسوأ درجات الإفساد في الأرض؛ لأنه يتعدى على أرواح المؤمنين في حين أن الله عز وجل قد غلظ جريمة القتل ولو لنفس واحدة سدًا لذريعة القتل وحسمًا للشر ونشر الأمن وازدهار الحياة، قال الله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾،وقد شدد رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام في حقن دم المسلم فقال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة».
إن دين الإسلام لا يفرق بين مسلم ومسلم آخر، ولا بين مسلم ومستأمن آمن في بلاد المسلمين، أخرج البخاري رحمه الله من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا».
لقد حقق نظام الإسلام الاستقرار الأمني والأمن الغذائي والاقتصادي لكل مسلم، ولكل من يرعاه الإسلام والمسلمون لتأخذ الحياة في النمو والازدهار؛ لأنها بدون ذلك لا يمكن أن تسير الحياة بشكلها الطبيعي والمنتظم، لذا حاصر الإسلام الجريمة والفساد في الأرض بشتى الوسائل لتحقيق هذا الهدف.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأصلح البلاد والعباد، ومن أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء فأشغله بنفسه واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا في الأمور كلها.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى الآل والصحب، وجميع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين، قوموا إلى صلاتكم يغفر الله لكم.