بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الخبير، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينًا محمدًا عبدالله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، تمر على الإنسان في حياته مواقف كثيرة، يعتبر بها ويتعظ فيما تبقى من عمره، وفي السيرة النبوية للمصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عبر ودروس ينبغي للمسلم أن يعتبر بها ويتأملها وبخاصة في واقعنا المعاصر الذي يواجه المسلمون فيه محنًا وابتلاءات كثيرة وفي هذه الخطبة سنقف على حادثتين وقعتا للنبي صلى الله عليه وسلم لنتأمل ونعتبر.
فالأولى كما جاء في دلائل النبوة للبيهقي: تذاكر عمير بن وهب وصفوان بن أمية مصابهم في بدر، فأسّر عمير بن وهب إلى صفوان بأن لولا دين عليه وعيال يخشى عليهم الضيعة لركب إلى محمد حتى يقتله، فاغتنم صفوان الفرصة، فالتزم له بقضاء دينه وضم عياله إلى عياله إن هو قتل محمدًا وأصابه شر واستكتمه الخبر، وعندما جاء المدينة رآه عمر فتوجس منه خيفة فاقتاده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار بينهما حوار جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يُصدِقه القول في سبب مجيئه، فذكر أنه جاء ليفتدي ابنه وهبًا وعندما أصر على الكذب كشف له الرسول صلى الله عليه وسلم عما دار بينه وبين صفوان وهما بمكة وهو بالمدينة فتعجب عمير من هذا وكان ذلك سببًا في إسلامه، قال عمير أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء وإن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطلع عليه أحد غيري وغيره فأخبرك الله عز وجل به فآمنت بالله ورسوله والحمد لله الذي ساقني هذا المساق ففرح به المسلمون حيث هداه الله تعالى، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابه أن يفقهوه في الدين ويطلقوا له أسيره وأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يعود إلى مكة ليدعو إلى الإسلام بالحماسة نفسها التي كان يدعو بها إلى الكفر فأسلم على يديه خلق كثير.
الحادثة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى بني النضير من اليهود ليستعين بهم في دية الرجلين اللذين قتلهما الضمري، جلس إلى جدار لهم في انتظارهم ليأتوا بما وعدوا به من المساهمة في الدية ثم خلا بعضهم ببعض فقال: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فاتفقوا على أن يعلو عمرو بن جِحَاش ذلك الجدار، فيلقي صخرة على الرسول صلى الله عليه وسلم فيقتله، فأخبر الله رسوله بما أرادوا فخرج راجعًا إلى المدينة، وعندما تأخر عن أصحابه الذين كانوا معه سألوا عنه فعلموا رجوعه إلى المدينة فأتوه، فأخبرهم الخبر ثم أمر بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم ومحاصرتهم فنزلوا على الصلح بعد حصار دام ست ليال على أن لهم ما حملت الإبل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدين القويم، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
عباد الله: عندما تأملنا في الحادثة الأولى نلحظ رجوع الإنسان إلى فطرته التي خلقه الله عليها، وذلك أن عمير بن وهب لما أيقن صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يوحى إليه من ربه رمى سيفه وشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وقبل إسلامه. كان يعادي المسلمين ويؤذيهم، وعندما أسلم رجع إلى مكة ودعا قومه إلى الدخول في الإسلام، بينما الحادثة الثانية نجد البون الشاسع بينها وبين قصة عمير بن وهب، فبنو النضير هم من اليهود وهم أهل كتاب ومع ذلك نقضوا العهد والميثاق وأردوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمون أنه رسول الله وأن ما جاء به صدق ويجدون ذلك في التوراة.
أيضًا فإن الحادثتين تدلان على إخبار الله لنبيه بما بيته عمير وصفوان وبما تواطأ عليه بنو النضير من إرادة قتله.
كذلك فحادثة بني النضير في إخبار الله لنبيه بما بيته اليهود للغدر به دليل على تكرار الغدر من اليهود والوفاء من الله تعالى بوعده القاطع لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، وفي هذه المعجزة وغيرها ما يجب أن يحمل الناس على الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الغدر من اليهود سجية من سجاياهم على الرغم من أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاملهم بالحسنى والوفاء وحاول جاهدًا ضمهم إلى المجتمع الإسلامي حتى كحلفاء، ولكن قابلوا ذلك بالغدر والخيانة ومثل على عذرهم أنهم خانوا كل العهود والمواثيق التي أعطوها للدولة العثمانية أن يعيشوا بأمان واستقرار على أراضيها مقابل التسامح الذي أبدته الدولة العثمانية تجاههم بعد أن تنكرت لهم كل أوروبا، فلم يجدوا صدرًا حنونًا إلا الدولة العثمانية ومع ذلك لم يغير ذلك فيهم.
ونستفيد من الحادثة أن اليهود مازالوا إلى هذه اللحظة أعداء السلام بدليل رفضهم لقرارات الأمم المتحدة والمجلس الدولي التي تمنح الفلسطينيين حقوقًا لهم في أراضيهم. إذن السمة المطردة فيهم الغدر والخيانة عبر التاريخ، وشاهد ذلك ما فعلوه في أنبيائهم ثم ما فعلوه بكل مجاهد وقد رأينا ذلك عيانًا في قتل شيخ مُقعد لا يتحرك فيه إلا رقبته، فرحم الله هذا الشيخ أحمد ياسين وجعله في عليين آمين.
وما زال هذا العدوان الغاشم يهدد مستقبل أجيالنا واقتصادنا وأمتنا واستقرارنا وإعلامنا من فضائيات وبث إعلامي خطير.
نسأل الله تعالى أن ينصر هذا الدين وأن يعلي كلمته وأن يجمع المسلمين على صعيد واحد وأن ينصر إخواننا في سائر بلاد المسلمين. وأن يهلك أعداء الدين أن يذلهم. اللهم انصر من نصر الدين وأهلك الكفرة والملحدين. اللهم آمنا في أوطاننا واغفر لنا وارحمنا.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.