اتصل بنا
الأدب مع العلماء
08/05/2004

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله القائل  ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ،  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.. أما بعد: عباد الله: فعندما نزل قول الله تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ، تأثر الصديق أبو بكر والفاروق عمر رضي الله عنهما والتزما ألاّ يكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سرًّا أو همسًا، وكذلك فعل ثابت بن قيس بن شماس عندما تصور أن هذه نزلت فيه؛ لأنه كان جهوري الصوت، حيث لزم بيته حتى استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره بالجنة، ومن ثم نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى، بل إن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم التزم به الصحابة ومن بعدهم حتى بعد وفاته حيث كرهوا رفع الصوت عند قبره كما ذكر ذلك كثير من المفسرين كابن كثير وغيره، وذكر بعض المفسرين أن هذا الأدب قد وعاه السلف حيث تجاوزوا به شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل شيخ وعالم من العلماء احترامًا لهم؛ حيث إنهم يحملون ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سنته حتى عندما نزلت آية الحجرات أفاد منها من جاء من العلماء بعد ذلك، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب الصحابي ليروي عنه الحديث، فيجلس عند بابه حتى يخرج تأدبًا مع من يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأثرًا بقوله تعالى:  ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وهي وإن كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من الأدب وحسن الخلق التعامل مع العلماء بمثل ذلك. قال أبو عبيد: ما دققت بابًا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه.

إننا من خلال ما ذكرناه من آيات نجد عظمة هذا الدين في بناء الفرد المسلم على الأدب الجم، الأدب مع الله عز وجل، والأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم الأدب مع من يحمل كتاب الله ويرث سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالعلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، ومن هذا المنطلق أيها الإخوة جاءت أقوال السلف رحمهم الله ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم. وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: “من آذى فقيهًا فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله عز وجل، وكما ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب» ومن خلال هذه النصوص نعلم أن الأدب مع العلماء أدب مع الله، وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم، وندرك أن قوله تعالى: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وقوله:  ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، وقوله:  ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ليست لمجرد التلاوة فقط، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هي ترسم منهجًا للمسلم في تأدبه مع الله -والله حي لا يموت- والتأدب مع الله يستلزم التأدب مع شرعه والتأدب مع كتابه، والتأدب مع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم  ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى وكذلك التأدب مع العلماء والدعاة إلى الله، الذين هم أولياء الله جل وعلا، وهم الذين يحملون الكتاب والسنة ومن أساء الأدب معهم فقد أساء الأدب مع الله ومع رسوله؛ لأن ذلك لن يقف عند أشخاصهم بل سيتعدى إلى ما يحملونه من علم الكتاب والسنة.

عباد الله: إن النيل من العلماء وإيذاءهم يُعد إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله، وما أبلغ قول بعض العلماء (أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم)، وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل في الحديث القدسي «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب»، فهلّا استحضرنا هذا الوعيد الشديد عندما نهم بالحديث في عالم من العلماء؟

روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله أنهما قالا: “إن لم يكن الفقهاء أولياء الله، فليس لله ولي”، قال الشافعي: “الفقهاء العاملون” أي أن المراد: هم العلماء والعاملون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:

لعلنا بعد وقوفنا على فضل العلماء وأن لهم دورًا بارزًا في حياة المسلم، أن نبين ما يعتري بعض الناس من الاعتداء على العلماء وأكل لحومهم، فمن ذلك:

1- الغيرة، وهي قرينة الحسد، والمقصود بها هو كلام العلماء بعضهم في بعض (الأقران)، قال سعيد بن جبير “استمعوا لعلم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرًا من التيوس في ضرابها”، وقال الذهبي ” كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به”.

2- الحسد، لا سيما إذا كان لحسدٍ أو مذهب أو هوى.

3- الهوى.

4- التقليد.

5- التعصب.

6- التعالم، ولهذا السبب كثر المتعالمون في عصرنا وأصبحت تجد شابًا حدثًا يتصدر لنقد العلماء ولتفنيد آرائهم وتقوية قوله وهذا أمر خطير، فإن مِنْ أجهل الناس مَنْ يجهل قدر نفسه ويتعدى حدوده.

7- النفاق وكره الحق.

أيها الإخوة: فهذه الأسباب وغيرها يترتب عليها نتائج خطيرة وآثار سلبية لذا يتوجب على كل مسلم أن يجنب نفسه أكل لحوم الناس وبخاصة علماء الأمة، ولنتأمل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.

هذا وصلوا وسلموا على معلم البشرية الهادي البشير النذير محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وصحابته الكرام من الأنصار والمهاجرين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوه ورضوانه يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم انصر من نصر هذا الدين واخذل من خذله، اللهم أهلك الكفرة المعتدين من اليهود والنصارى ومن شايعهم وأعانهم. الله انصر إخواننا الذين يجاهدون في سبيلك وإعلاء كلمتك. اللهم انصرهم نصرًا مؤزرًا.

اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه وسائر بلاد المسلمين. اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وتب علينا واهدنا إلى سواء الصراط. اللهم وفق علماءنا ودعاتنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد.

اللهم أصلح شبابنا واهدهم إلى سواء الصراط وامنع عنهم مضلات الفتن وقرناء السوء وكل ما يغضب وجهك الكريم.

ربنا اغفر لنا وارحمنا وتجاوز عنا وأحسن خاتمتنا يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
download intex firmware
Download Nulled WordPress Themes
online free course