اتصل بنا
ضوابط تلقي الأنباء في المجتمع الإسلامي
02/07/2004

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

اتقوا الله عباد الله وتذكروا قول الباري جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

عباد الله: إن المجتمع الإسلامي مجتمع طاهر الباطن والظاهر، فهو طاهر الباطن؛ لأنه أبعد ما يكون عن أمراض القلوب من الحقد والغل والحسد والتجسس والغيبة والنميمة، ولأنه أنس بحب الله تعالى، يقول سبحانه في محكم كتابه عن أفراد هذا المجتمع ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾، وطاهر الظاهر؛ لأن المسلمين يتطهرون خمس مرات في اليوم والليلة، فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي أرعاها فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يحدث الناس وأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة» فقلت: ما أجود هذا، فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني قد رأيتك قد جئت آنفًا، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» رواه مسلم.

فالمسلمون في المجتمع الإسلامي يطهرون أجسادهم بالماء فلا تمرض، ويطهرون أرواحهم بالصلاة فلا تحزن، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ ويطهرون أموالهم بالزكاة فلا تنقص، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ وفي المجتمع الإسلامي الكريم، يعيش الناس آمنين على أنفسهم، وعلى بيوتهم، آمنين على أسرارهم وعوراتهم، فالناس على ظواهرهم، وليس لأحد أن يتعقب بواطنهم، وليس لأحد أن يظن أو يتوقع، أو حتى يعرف أنهم يزاولون في الخفاء مخالفة ما، فيتجسس عليهم ليضبطهم، وكل ما له أن يأخذهم بالجريمة، عند وقوعها وانكشافها مع الضمانات الأخرى.

قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن الأعمش عن زيد بن وهب قال أتي ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال عبدالله: إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به، وعن مجاهد: (لا تجسسوا وخذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله).

وإذا كان هذا في التجسس، فإن المجتمع الإسلامي يأخذ نفسه بالبعد عن الغيبة وتوابعها؛ التزامًا بقول الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.

ويسري هذا النص في المجتمع الإسلامي، فيتحول إلى سياج حول كرامة الناس وأعراضهم، أن تُمس أو ينال منها، وفي الحديث الذي رواه أبو داود بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ذكرك أخاك بما يكره» قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»، وإذا كانت هذه صفات مجتمع المسلمين، مجتمع الترابط والتعاطف، مجتمع الإيمان والتقوى، فما موقف هذا المجتمع من تلقي الأنباء؟ نرى أن القرآن الكريم قد حسم هذه القضية بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، ومعنى الآية ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ الذي يخرج عن طاعة الله إلى معصيته، والفسق أعم من الكفر، ويقع على كثير الذنب وقليله، فإذا جاء لجماعة المسلمين من خرج عن طاعة الله إلى معصيته، بنبأ عظيم يترتب عليه إزهاق أرواح، أو إيغار صدور المؤمنين، أو ما فيه من تفرقة بين صفوفهم، فالواجب على هذه الجماعة أن تتبين حقيقة النبأ، وأن تتثبت من صدقه، وأن تتريث عند الأخذ به حتى لا تندم على ما فعلت، أو أن تأخذ الناس بغير ما فعلوا، أو أن تعاقب من لا يستحق العقاب، عندها سيكونون كأصحاب الحديقة الذين أعماهم الطمع والجشع عن التثبت ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾، ولقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم: (التثبت من الله والعجلة من الشيطان)، التثبت يكون القاعدة الصلبة للمجتمع الإسلامي، إذا لجأ إلى الله تعالى، وعكف على مائدة القرآن الكريم يستلهمه الخير والسداد، إذا فر المجتمع إلى الله استجابة لقوله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾، يثبتهم بالتريث والصبر حتى لا يستعملهم الشيطان جنودًا له، يثبتهم بالربط على قلوبهم فلا يتبعوا أهواءهم.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله القائل ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

في نظرة متأنية لقوله تعالى: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ نلحظ أنها تتضمن آدابًا كثيرة وحكمًا بليغة، فمن هذه الآداب والحكم:

أولاً: التثبت في الأمور، وهو أمر لجماعة المسلمين بالتثبت في الأمور، والتبصر في حقيقة الأنباء التي تتردد في مجتمعاتهم، أو عند قبولهم الأخبار التي تأتي من خارج بلادهم، حتى لا يندم المسلمون على شيء فعلوه بجهالة، وبدون علم أو دراية، مما يكون في العادة نتيجة للتسرع وعدم التريث.

الأدب الثاني: عدم التحدث بكل ما يسمعه الإنسان، وما يتبع ذلك من تشهير وإذاعة للأنباء، صحت أو لم تصح صدقت أو لم تصدق.

وحقيقة التشهير: إذاعة السوء عن شخص أو طائفة، وهو في الحقيقة داخل في دائرة الغيبة والبهتان، وكلاهما أذية، وقائلهما لا يتأدب بأدب الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم»، ثم قرأ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ وهذا المشهّر به إن كان بريئًا، فالتشهير به إفك وبهتان عظيم، كما قال تعالى: ﴿لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ وقال أيضًا: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ وقد يكون المشهر به غير مجاهر بفسقه، فالتشهير به محرم، ومن المقرر شرعًا أن الستر على المسلم واجب، لمن ليس معروفًا بالفساد، قال صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلمًا ستره الله عز وجل يوم القيامة»، فإذا كان مجاهرًا بفسقه، وفيه يقول الإمام أحمد: إذا كان الرجل معلنًا بفسقه، فليس لنا غيبة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من الإجهار أن يعمل عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستر الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله عز وجل ويكشف ستر الله عز وجل عليه». ومع ذلك وكما قال القرافي في كتاب الفروق: (سألت جماعة من المحدثين والعلماء الراسخين في العلم عمن يروي قول “لا غيبة لفاسق” فقالوا لي: لم يصح ولا يجوز التفكه بعرض الناس فاعلم ذلك).

إن هؤلاء الذين يغتبطون بإذاعة الأخبار وتضيق نفوسهم ذرعًا بكتمها، فتراهم يتشدقون بما يعلمون وما لا يعلمون، غير مبالين بصحة النقل ولا عدالة النقل، ولا الخوف من الله تعالى، هؤلاء أمرهم الله سبحانه أن يتأدبوا بأدب القرآن، وأن يتبعوا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حتى يكبحوا جماح نفوسهم، ولا يستمعوا لوسوسة شياطينهم، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

وقد وصفت السنة النبوية أولئك الثرثارون؛ الذين يتحدثون بكل ما يسمعونه بدون قيد أو شرط، وقبل التحري والضبط، بصفة تنافي الإيمان الكامل؛ ألا وهي صفة الكذب، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع» رواه مسلم في صحيحه، فمتى يتخلص المجتمع من هذا الزيف الذي جاءنا من وراء الحدود والسدود، ففرق جمعنا وشتت كلمتنا وجعل بأسنا بيننا شديدًا، ولكن علينا بالصبر والتثبت وكما قيل: لا يسلم شجي من خلي.

يقول ابن حزم رحمه الله: (والعقل والراحة في إطراح المبالاة بكلام الناس، والاهتمام بكلام الخالق عز وجل؛ لأن من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيوبهم فهو مجنون، والعاقل من يلتزم بتعاليم ربه حتى يأتي أجله).

هذا وصلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى، فقد أمركم الله بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الصحابة، أخص منهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الستة المبشرين بالجنة، وسائر صحابة رسول الله وأمهات المؤمنين وآل البيت والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين وأهلك الكفرة والملحدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، اللهم من أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم أنقذ الأقصى من أيدي اليهود المغتصبين وارزقنا صلاةً فيه قبل الممات يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، واشفنا واشف مرضانا ومرضى المسلمين، ربنا عليك توكلنا وبك أنبنا وإليك المصير.

 

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
download karbonn firmware
Download WordPress Themes
free online course