بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
اتقوا الله عباد الله، فإن تقواه سبب للفلاح والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ فالمؤمنون المتقون بشرهم ربهم بالخير والثواب في الدنيا والآخرة، فيا لها من بشارة عظيمة ووعد كريم.
عباد الله: قال عز من قائل في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ آية محكمة من آيات الكتاب العزيز، الذي نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام، على الأمين محمد صلى الله عليه وسلم هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين، فيها نداء للمؤمنين بهذا الأمر العظيم والتكليف الهام، إنه طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام وطاعة أولي الأمر، ولا شك أن طاعة الله عز وجل في كل ما أمر به، أو نهى عنه واجبة على العباد، لأن فيها الصلاح والفوز والنجاة من الفساد والخراب والإثم والعقوبة والنكال، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام واجبة على العباد المكلفين، وهي من طاعة الله عز وجل، فمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى رسوله صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاعته عليه الصلاة والسلام فيها الهدى والنور والسلامة والرشاد.
انظروا عباد الله إلى من أطاع الله وأطاع الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف حصلت لهم العزة والكرامة ونالوا الأجر والثواب، وكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، وإن نالهم ما نالهم من البلاء والمصائب والدائرة عليهم من أعدائهم، فإنما هو ابتلاء من الله وتمحيص لهم وتكفير خطاياهم ورفع لدرجاتهم، ثم كانت لهم العاقبة الحسنة والخاتمة الطيبة، وانظروا إلى من عصى الله ورسوله باءوا بالخيبة والخسران، وعاشوا في ضلال وعمى، وغي وفساد، وكانت لهم العاقبة السيئة والمآل الذميم.
أما طاعة أولي الأمر فهي واجبة على العباد؛ لأن بطاعتهم تستقيم الحياة، وتصلح الأحوال ويسود الأمن والصلاح، والذي أمر بطاعتهم هو الله عز وجل، الذي يعلم ما يصلح للعباد في المعاش والمعاد، ويرحمهم في الدنيا والآخرة، فلو كان في طاعة أولي الأمر شر وضلال لما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولترك الناس فوضى لا سراة لهم، ولا أولي أمر يرجعون إليهم، وهذا ما لا تقتضيه الحكمة البالغة والمصلحة الراجحة، فالواجب على الناس جميعًا ذكورًا وإناثًا طاعة أولي الأمر، وهم الحكام والأمراء والمفتون، ولا يستقيم لهم دين ولا دنيا إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعةً لله عز وجل وطاعةً لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورغبة فيما عنده جل وعلا، ولكن طاعتهم مشروطة بأن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بمعصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أخبر بذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فأولي الأمر إن أمروا بطاعة ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجبت طاعتهم طاعة لله وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وإن أمروا بمعصية نهى الله عنها فلا تجب طاعتهم، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن أمروا بشيء ليس بمعصية وليس بطاعة ثابتة، وإنما هو من باب المصالح العامة وتنظيم الحياة، وليس فيه مخالفة لشرع الله، فتجب طاعتهم في ذلك، كما قرره أهل العلم بشرع الله عز وجل؛ لأن في مخالفتهم في ذلك شرًّا وفسادًا وفتنة وبلاءً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وجعله الدين الخاتم ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
عباد الله: إن طاعة ولاة الأمور في غير معصية والدعاء والنصح لهم ومعاونتهم من واجبات الرعية؛ فعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من كره من أميره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج عن السلطان شبرًا فمات فميتة جاهلية»؛ قال ابن الأثير في جامع الأصول “فميتة جاهلية: أي على ما مات عليه أهل الجاهلية قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الجهالة والضلالة”، وعن عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها»، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».
هذا وصلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى، فقد أمركم المولى جل وعلا فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين، واجمع كلمة المسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، اللهم وفق ولي أمرنا وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم وفق ولاة جميع المسلمين وارزقهم تحكيم كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم جنبنا ما يغضب وجهك الكريم، وأحسن خاتمتنا ووفقنا لما يرضيك عنا يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وتجاوز عن سيئاتنا واجعلنا من عبادك الصالحين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.