اتصل بنا
المجاعة في النيجر
14/10/2005

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى

الحمد لله ولي النعمة والإمهال، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على الهادي البشير النذير محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه والتابعين وعنا معهم بعفوك ورحمتك. أما بعد:

اتقوا الله عباد الله فإنكم في شهر الخير والنفحات، شهر البركة، شهر العمل وقراءة القرآن والإنفاق.

عباد الله: فإن الدنيا هي دار أفراح وأتراح وأحزان ومسرات، لهو ولعب وزينة وتفاخر في الأموال والأولاد، مركب ذلول لكنها سريعة التقلب، كثيرة التغير، تبدو أوراقها خضراء جميلة لكنها سرعان ما تصغر وتيبس وتتساقط، وربما سقطت أوراقها الخضراء فجأة على غير توقع، تنام بالليل على حال وأخبار، وتستيقظ على حال وأخبار أخرى، إنها الدنيا متاع الغرور سريعة العبور، يبتلي الله فيها أقوامًا بالأسقام والأمراض، فيحصد المرض جماعات يغيّبون في اللحود، ويؤخذ أقوام على حين غرة وهم مكتملون في صحتهم ساربون في معاشهم، فتحل بهم الكوارث، زلازل وبراكين وفيضانات مدمرة تقف أمامها قدرات البشر مهما كانت قوية ضعيفة عاجزة.

سبحان الله هل من مدكر، موت بالآلاف نتيجة إعصار مدمر أو فيضانات عظيمة، والماء مصدر حياة ونماء، لكنه يعود بقدرة الله وسيلة تدمير وفناء، كم في هذه الأحداث من نذر {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} كم في الكون من ظلمٍ وظلمات، وراءها الظلوم الجهول، وربك يغار ولا يرضى بالظلم ولا يحب الظالمين وينتقم للمظلومين {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}  ألست في كل يوم تنام وتقوم على قوارع وعظائم ما لها من كاشف إلا الحي القيوم.

يا ابن آدم إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه، فهل ستأخذ كتابك بيمينك أم سيكون الكتاب وراء ظهرك.

هل تذكرك النوازل بغيرك؟ ما يمكن أن يقع لك؟ أم تراه يكفيك أن تتسلى بسماع الأحداث ورؤية المشاهد وكأنك بمعزل فلا عاصم من أمر الله إلا من رحم، إن الله يبتلي عباده بالسراء ليرى شكرهم ويبتليهم بالضراء ليرى صبرهم {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.

عباد الله: دولة مسلمة وشعب مسلم وإخوان لنا في العقيدة يعانون اليوم من جفاف قاتل ومسغبة مؤلمة، جفافٌ وتصحر وقلة من الأمطار وهلاك في الزروع والضروع وموجات من الجراد تقضي على الأخضر واليابس وزحف في الرمال في بيئة صحراوية ساهمت كذلك في إهلاك الكثير من المحاصيل، إنها حالة بؤس يعيشها إخواننا المسلمون في النيجر وما أدراك ما النيجر؟ دولة إفريقية يحدها من الشمال ليبيا والجزائر ومن الجنوب نيجيريا وبنين ومن الشرق تشاد، ومن الغرب مالي وبوركينا فاسو، وعدد سكانها يزيد على أحد عشر مليون (حسب تعداد 2003م) ويدين بالإسلام ثمانٌ وتسعون بالمائة من السكان، وضعها الاقتصادي متدني، ويزيد من حالات الجفاف وقلة الأمطار كما هو الحال حيث يعمل معظم سكان النيجر في الزراعة والرعي، ويؤكد البنك الدولي في تقريره عن النيجر أن أكثر من ستين بالمائة منهم يعيشون بدولار واحد في اليوم.

الأزمة المتداعية في النيجر وما حولها تعتبر من أكبر الأزمات في البلاد، وتعد المجاعة الحالية من أسوأ المجاعات التي تواجه هذا الشعب المسلم. لقي مجموعة من الأطفال حتفهم، ولا تسأل عن هلاك الزروع والمواشي، أما عامة الشعب النيجري فبات ينافس الحيوان على أكل أوراق الشجر، وإن كان بعضها سامًّا ومُرًّا، لكنهم يعمدون إلى غليه حتى تخف سمومه ومرارته.

وينافسون النمل في أخذ الحبوب المُدخرة في بيوت النمل، إنها أزمة متفاقمة تشير الإحصاءات إلى أن ثمانمائة ألف طفل يعانون المجاعة، ولقد بلغ إجمالي القرى المتضررة قرابة ثلاثة آلاف قرية من أصل عشرة آلاف قرية تحتويها الدولة، ويسكن هذه القرى قرابة أربعة ملايين نسمة، أي أكثر من 40% من سكان البلاد.

ونظرًا لخطورة الوضع فقد وجه المسؤولون في النيجر نداءَ استغاثة للمجتمع الدولي للحصول على عون غذائي عاجل، كما وجهت منظمات الأمم المتحدة تحذيرًا للمجتمع الدولي. إنها أزمة تتفاقم وشبح مخيف ليس للفقر والمرض؛ بل للموت أيضًا، السؤال: أين المسلمون عن إخوانهم المسلمين؟

عباد الله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}. ومن صفات الأبرار أنهم {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ويُروعك الأمر حين تعلم تواجدًا سريعًا للمنظمات الغربية، ويُروعك الأمر أكثر حين تعلم شيئًا من أهداف هذه المنظمات والجمعيات الغربية أنهم يُغيثون ويُنَصِرون ويساهمون في صنع الأزمات حين يُحاصرون المؤسسات الأخرى ويجمدون أرصدتها، وهل تعلم أخي المسلم أن جزءًا من أزمة النيجر الواقعة نتيجة تغييب أدوار الجمعيات والهيئات والمنظمات الإسلامية الإغاثية والدعوية، وهكذا يهلك الناس بدعاوى الإرهاب وكذلك تبدو نتائج الحصار للقطاع الخيري. إنها جرائم يموت لها الأطفال الرضع ويتهاوى مرضى الشيوخ الركع ولا تسلم منها المرأة والشباب فضلًا عن الشجر والحيوان، كم يُجرم أولئك الذين يمنعون الخير في الإنسانية بشكل عام، وفي حق المسلمين على وجه الخصوص، ولكن المسلمين لا يَسلمون من مسؤولية الإغاثة والنصرة، والله يقول لهم {وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ} والمصطفى صلى الله عليه وسلم يناديهم فيقول لهم: ” فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ” رواه البخاري.

لا يعذرون بسياسات القوم الكافرين الذين يحاولون عزلهم عن إخوانهم المسلمين، والله يقول {إنما المؤمنون إخوة) وعجب ولا عجب ونحن في زمن العجائب شعوب ترمي زوائد المحاصيل الزراعية كالحبوب والثمار في البحر حتى تحافظ على قيمتها دون انخفاض، وشعوب أخرى لا تجد ما تأكله حتى يضطرها الجوع والإبلاس إلى أكل ورق الشجر؛ بل ومزاحمة النمل على طعامها، شعوب تموت من الجوع وأخرى تصيبها الأمراض من التخمة، إنها مفارقات عجيبة، وفي زمن الوعي والمعرفة والعولمة والدعوات الإنسانية الجوفاء.

آهٍ على أزمة الصدق وآهٍ على مجتمعات الرحمة. وسلام على الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وتحية لدينٍ يُعلم أصحابه أن رجلًا سقى كلبًا يلهث من شدة العطش فغفر الله له، يا أمة المليار أو تزيد أليس عيبًا أن يوجد فينا مُعدم أو بائس أو محاصر أو مظلوم؟ أيُّ بلاء يعيشه إخواننا المسلمون في النيجر فأين نحن منهم؟

إنها نازلة تحتاج من المسلمين عامة إلى التفاتة وإغاثة، وبلادنا بحمد الله في قائمة الركب عادة تغيث الملهوف وتطعم الجائع وتعين المتضررين، ألا فأعينوا إخوانكم المسلمين في النيجر، سدوا جوعهم وقفوا معهم تنالوا رضا ربكم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فثمة احتياجات لإخوانكم المسلمين في النيجر، فهم يحتاجون إلى فتح مراكز للتعليم والدعوة هناك: فكارثة النيجر ليست هي الجوع والجفاف والتصحر فحسب، فثمة كوارث في الجهل والأمية، وثمة جفاف وتصحر في جوانب العلم والمعرفة، وإذا كانت الفرنسية هي اللغة الرسمية، فينبغي أن يساهم الخيرون والموسرون بفتح معاهد لتعليم العربية، لغة القرآن لأبناء وبنات المسلمين، وفتح مدارس ومعاهد وكليات ليتعلم المسلمين هناك أمور دينهم ودنياهم وحمايتهم من المخاطر المحدقة بهم، كالتنصير و العلمنة والانحراف الفكري، وتشير بعض التقارير أن ثمة مخططات للغرب بتقسيم النيجر، وإيجاد دول نصرانية هناك، إنني أهيب بالمسلمين عمومًا والقادرين خصوصًا على مد العون لهؤلاء المتضررين وحمايتهم من مخاطر الآخرين.

والشيء بالشيء يذكر، ما حل بإخوانكم في باكستان في مظفر آباد حيث وقع زلزال مدمر كان نتيجته قتلى، قدرت بأكثر من 40,000 قتيل، و 60,000 مصاب غير الإهلاك في الدور ونحوها، فهم يحتاجون لغوثكم ودعمكم.

اللهم أطعم جياع المسلمين وكن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم أصلح أحوال المسلمين وألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق، واهدهم سبل السلام، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو بلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميرًا عليه يا حي يا قيوم، اللهم نفّس كرب المكروبين من المسلمين واشف مرضاهم وعاف مُبتلاهم، واهد ضالهم وثبت هُداتهم على الحق إلى أن يلقوك يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم اجعلنا من الصائمين المقبولين واعتقنا برحمتك من النار، اللهم احفظ هذه البلاد من كل سوء ومكروه، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان على عدوك وعدوهم، اللهم إنهم جياع فأطعمهم وعراة فاكسهم، لا إله إلا الله عز اسمه، اجعل راية الإسلام خفاقة في كل مكان.

ربنا ظلمنا أنفسنا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، إنك سميع قريب مجيب، وصلِّ اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى الآل والصحب أجمعين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

 

 

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
download coolpad firmware
Download Nulled WordPress Themes
online free course