اتصل بنا
“ادع إلى سبيل ربك”
04/03/2006

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، جعل الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء وقدوة الدعاة والمصلحين، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.

 

إخوة الإسلام: الحديثُ عن الدعوة حديثٌ عن دين الله، والحديث عن الدعاة المخلصين حديث عن الصفوة من عباد الله، ولئن كان الحديث عن الدعوة والدعاة يطول ويتشعب وهو بمجمله نافع ومفيد، إلا أنني سأقصر الحديث هنا على أمور، منها:

أولاً: قيمة الدعوة وفضائل الدعاة. وفي هذا يحكم الحق تبارك وتعالى أن لا أحد أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء عليهم السلام، وطريق المؤمنين التابعين لهم إلى يوم الدين ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي.

وعن فضل الدعوة والدعاة، قال عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجر من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئًا».

ثانيًا: تجريدُ الدعوة وإخلاصُ الدعاة، فلا ينبغي أن تقوم الدعوة لأغراض شخصية أو مطامع دنيوية، ولا يليق بالدعاة أن يأكلوا بدعوتهم أو يخادعوا الناس في حقيقتهم وواقع أمرهم، أو يتكلفوا ما لم يأذن به الله.

ثالثًا: أَمَدُ الدعوة وأثرها، وعلى الدعاة ألا يحددوا زمنًا لأثر دعوتهم، فأمد الدعوة قد يطول وآثارها قد لا تظهر إلا بعد حين، وحسب الدعاة أن يتسلوا بقوله تعالى عن نوح عليه السلام: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.

رابعًا: لا يأس ولا إحباط، ومهما طال أمدُ الدعوة أو قلَّ الاستماع للدعاة، فلا ينبغي أن يُحبطوا أو ييأسوا وكيف يحبط الدعاة أو ييأسون وقد قيل للمرسلين قبلهم ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ، وفي الحديث: «يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد».

خامسًا: وللدعوة تكاليف، وعلى الدعاة أن يتحملوا الأذى في سبيل الله، وألا يجعلوا فتنة الناس كعذاب الله، وسنة الله في الابتلاء جارية.

سادسًا: والصبر زاد الدعوة وهو طريق لتمكين الدعاة، ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

سابعًا: وهناك أدواء مهلكة، وعلى الدعاة أن يحذروها كالعُجْب والرياء، والطمع في السيادة والرئاسة والحسد والغرور ونحوها.

ثامنًا: ولا ينبغي أن ترتبط الدعوة بالأشخاص أو تحدَّ بمناهج ضيقة، فالأشخاص يذهبون ويجيئون، والمناهج يطرأ عليها التغيير، وهي والأشخاص عرضةٌ للخطأ، وينبغي أن يكون المعوَّل في الدعوة على هدي الكتاب والسنة، وينبغي أن يُتخذ من منهج الأنبياء عليهم السلام طريقًا في الدعوة، ومن قال الله عنهم: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ.

تاسعًا: وإذا كان الجوهر ثمينًا فينبغي أن يكون الوعاء الحامل له نظيفًا سليمًا، وكذلك الدعوة ينبغي أن تحمل الناس وتؤدى بالحكمة والموعظة الحسنة امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وليحذر من الغِلظة والشدة والفظاظة ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.

عاشرًا: والدعوة تكون بحق وقد تكون بباطل، وكما يوجد دعاة إلى الحق، فثمة دعاة للباطل، فهناك دعاةٌ لملل غير الإسلام وهناك دعاة لنحل باطلة، وإن انتسب أصحابها إلى الإسلام، وهناك منافقون يتسترون بالإسلام ويخفون الكفر والإلحاد، وهناك مبتدعة تختلف مشاربهم وتلتقي أهدافهم لمحاربة الإسلام والسنة وخاب وخسر من كان في منظومة الدعاة على أبواب جهنم.

الحادي عشر: والتميز بين أصحاب الحق والباطل قديم في الأمم، ولذا فمن أهداف الدعوة ومسؤولية الدعاة تعليم الجاهل وتذكير الغافل، والحوار مع الشاك والمتردد يُنشر بالدعوة إلى الخير، ويقام العدل ويحاصر الباطل وتصحح المفاهيم الخاطئة ويكشف زيف المبطلين، تنشر أعلام السنة وتقمع البدع ويحذَّر من أصحاب الشهوات والأهواء.

وعن وسائل الدعوة يقال كلام كثير، ويُقترح وسائل نافعة بإذن الله، كالمحاضرة والدرس والندوة والموعظة الحسنة، وتوزيع الكتاب والشريط والمطوية النافعة، والدعوة عبر الرسالة والمراسلة وفي محيط الأسرة والجيران وبين زملاء العمل والدراسة وأصدقاء العمر وفي المناسبات العامة وداخل المدن أو في القرى والمناطق النائية وعبر الكتابة في وسائل الإعلام أو البرامج المذاعة في التجمعات الشبابية أو دور الرعاية وأماكن الإصلاحيات والسجون والاستفادة من إمكانات الحاسب ومواقع الإنترنت، وداخل أروقة المستشفيات وغرف المرضى وفي الفنادق والاستراحات المؤجرة واستثمار الأوقات الخيرية العامة في الدعوة إلى الله إلى غير ذلك من الوسائل التي قاربت المئة وسيلة عند بعض المعنيين برصد الوسائل الدعوية وقد يزيدها آخرون، وفوق ذلك كله فهناك وسائل دعوية قد يُغفل عنها مع يسرها وعدم الكلفة فيها والاقتدار عليها، وحين يكون الحديث عن وسائل الدعوة لابد من الإشارة إلى أهمية التجديد في وسائلها بشكل عام، ولابد من القناعة أن ما صلح لزمن قد لا يكون بالضرورة هو الأصلح لزمان أو مكان آخرين، فحسنُ تعامل الموظف مع المراجعين، وتيسير أمورهم أسلوب من أساليب الدعوة- إذا أحسن الموظف تقديمه وتوظيفه- والسماحة في البيع والشراء والنصح وعدم الغش أو المغالاة في السعر أسلوب في الدعوة يملك به الباعة قلوب المشترين، لاسيما إذا قدموه على أنه جزء من تعاليم الإسلام وهديه، والمعلم المخلص في رسالته التعليمية، والمدرك لدوره التربوي، المنصف لطلابه والمتأدب الخلوق مع زملائه، هو أحد الدعاة إلى الله -وإن لم يتسمَّ بذلك فلا عبرة بالمسميات، ولكنها الوسيلة النافعة ورصيد الأخلاقيات. والطبيب في عيادته يستطيع من خلال تعامله وعلاجه لمريضه فهذه وسيلة أخرى من وسائل الدعوة، والمرأة المحتشمة في لباسها والهادئة في طبعها وتعاملها، والمبتسمة في وجه صويحباتها، والمعرضة عن ما لا يعنيها، والداعية للخير بسلوكياتها، هذه تعمل عملها وربما فاق أثرها حديثًا نظريًا طويلًا.

 

عباد الله: وكم نغفل – في سبيل الدعوة إلى دين الله – عن إسعاف مريض، أو نقل مصاب، أو إعانة متعطل في البراري، أو الطرق السريعة، وقد يكون أحوج ما يكون لمساعدتك ووقوفك إلى جانبه، ومواقف المعروف والإحسان تبلغ أحيانًا مبلغها، وتؤثر أثرها في الآخرين، وقد نشعر بذلك وقد لا نشعر إلى غير ذلكم من وسائل قد لا نقدرها حق قدرها، وقد تبلغ في آثارها مبلغًا عظيمًا، والمهم أن تقدر كلَّ موقف وتحتسب على الله كل حركة وتخلص النية وتحسن المقصد وتوظف ذلك في الدعوة لدين الله، وقد كان المعلم الأول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتسب في نظرته وابتسامته ومزاحه فضلًا عن جده وأمره ونهيه، ولكم في رسول الله أسوة حسنة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدين، وجعله خاتم الأديان، وجعلنا شهداء على الأمم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

فإن مما ظهر في زماننا وعظم خطره واشتد على أهل الإسلام أثره، ما كان من بعض أبناء المسلمين الذين استهوتهم شياطين الإنس والجن، فصدوهم عن الصراط المستقيم، حتى عادوا أسلحة موجهة ضد الإسلام، وأهل الإسلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأمر هؤلاء وأمثالهم كان واضحًا عند من أنار الله بصيرته، وإن مما فُجع به المسلمون ما كان من محاولة لتفجير معامل الزيت في بقيق، وما باءت به هذه المحاولة من فشل ذريع، وقد كان هذا من لطف الله ورعايته وحمايته لسكان هذه المحافظة وجاورها، وهذه المحاولة لو تمت لتعطلت بذلك مصالح المسلمين، الذي تقوم عليه رزقهم بعد الله، كذلك ما يترتب عليه من هلاك الأنفس، فقطر التفجير يمتد 70 كيلًا، إذن ما الفائدة! إن أي عاقل حكيم يدرك أن هذا العمل الإجرامي، لا يعد عملًا صالحًا ولا جهادًا ولا فتحًا إسلاميًا! والذي قام به بعض أبناء المسلمين لهو عمل خارجي إرهابي، يخدم مصلحة الخوارج، فضلًا عن ذلك ما يترتب على هذا العمل من السعي في إخلال الأمن وترويع الناس واضطراب أحوالهم، فيعلم من ذلك أنه ضرب من الحرابة والفساد التي حرمها الله أشد التحريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ويقول تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ.

 

وقى الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين الشرور والفتن وسائر المصائب والآفات وأقَرَّ أعيننا بعز دينه ونصرة عباده الموحدين في كل مكان ووفق الله ولاة أمرنا لما فيه الخير والصلاح والهداية للإسلام والمسلمين في كل مكان إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين واجعل راية الإسلام خفاقة، اللهم أذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، وخذ بحقنا ممن سخر واستهزأ ونال من رسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. اللهم عليك به فإنه لا يعجزك. اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين اغفر لنا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والميتين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا غيث لا سقيا هدم ولا غرق. اللهم اسق به البلاد والعباد يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله والصحب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وقوموا إلى صلاتكم يغفر الله لنا ولكم.

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
lynda course free download
download lenevo firmware
Download Nulled WordPress Themes
ZG93bmxvYWQgbHluZGEgY291cnNlIGZyZWU=