حذر الأستاذ الدكتور سليمان بن صالح القرعاوي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء المسلمين من الهجمة الشرسة التي يشنها أعداء الإسلام من المستشرقين، علماء اللاهوت وغيرهم من النصارى واليهود ضد الدين الإسلامي الحنيف، والفكر، والحضارة الإسلامية، ومحاولاتهم في التشكيك في عقائده وعباداته وتشريعاته السمحة، سعياً لصرف أبناء جلدتهم عن الدخول فيه، بعد أن بهرتهم بطولات المسلمين، وما جاء به الإسلام، وما وجدوه من معاملة طيبة وحسنة للأسرى في الحروب التي نشبت بينهم وبين المسلمين، وبخاصة الحروب الصليبية.
وأوضح الدكتور القرعاوي في حديث صحفي بمناسبة عقد ندوة: (القرآن في الدراسات الاستشراقية) التي ينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة في السادس عشر من شهر شوال أن الاستشراق في المفهوم الخاص تلك الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الإسلامي، في لغاته، وآدابه، وتاريخه، وعقائده، وتشريعاته، وحضارته بوجه عام، وهذا المعنى هو الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي الإسلامي، عندما يطلق لفظ استشراق ومستشرق، وهو الشائع في كتابات المستشرقين المعنيين به.
وأكد أنه ليس هناك شك في أن الانتشار السريع للإسلام في المشرق والمغرب، قد لفت بقوة أنظار علماء الغرب، حيث تعددت دعاوى المستشرقين وشبهاتهم حول الإسلام، والرسول ﷺ، والرسالة الإسلامية، والقرآن الكريم، والمتمثلة في إنكارهم كون القرآن كتاباً سماوياً ومنزلاً من عند الله عز وجل، وحين يفحمهم ما ورد في القرآن من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية مما يستحيل صدوره عن أمي مثل النبي محمد ﷺ يزعمون أن محمدًا استمد هذه المعلومات من أناس كانوا يخبرونه بها، وكذلك التشكيك في رسالة محمد ﷺ، فجمهورهم ينكر أن يكون محمد ﷺ أوحي إليه وأنزل عليه آخر الرسالات السماوية، مشيرًا إلى أن من شبهات المستشرقين حول الإسلام إنكارهم أن يكون الإسلام ديناً منزلًا من عند الله عز وجل، وإنما هو ملفق من الديانتين السابقتين (اليهودية والمسيحية)، والتشكيك في صحة الحديث النبوي، وهو الأصل الثاني للإسلام، مع العلم أن هذه الدعاوى لم تكن وليدة اليوم، فقد شكك في مصداقيتها كفار مكة حينما وصفوا القرآن الكريم ومن أنزل عليه بأوصاف، انتهى بهم الأمر إلى وصفه بالسحر.
وقال د.القرعاوي: إن إقامة مثل هذه الندوة في مدينة المصطفى ﷺ، وبخاصة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف له أكبر الأثر والدلالة فيما يتم تدارسه من بحوث تكشف زيف هذه المحاولات الاستشراقية، للنيل من القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين، ومن واجبنا أن نراجع طرق المستشرقين في البحث والتأليف التي تتضمن أفكارًا هدامة ومزاعم باطلة وافتراءات على الإسلام والمسلمين، وكذلك وسائلهم في نشر إنتاجهم الفكري الذي يتضمن دعاوى ومزاعم وشبهات ضد الدين والأمة .
واستعرض الدكتور سليمان القرعاوي خطوات تحضير المادة ومراحلها التي يجب أن تبدأ بحصر لكتابات المستشرقين عن المجالات سالفة الذكر في القرنين التاسع عشر والعشرين بصفة أساسية باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والروسية، ويشمل هذا الحصر الكتب والمجلات والدوريات، ولإنجاح هذا الحصر يجب الاستعانة بخبير وعدد من المساعدين في مجال كل لغة من هذه اللغات الست، على أن يستعان هذا الحصر أيضاً بالمتخصصين في المجال الاستشراقي ممن اعتنقوا الإسلام في الغرب، وكذلك يجب إنشاء مكتبة للاستشراق بتوفير كل الأعمال الاستشراقية المشار إليها عن طريق الشراء إذا كانت متوفرة، أو عن طريق التصوير إذا لم يمكن شراؤها، وتكون هذه المكتبة الاستشراقية تحت أيدي الخبراء والعلماء الذين يشتركون في إعداد الموسوعة، كما يقوم جهاز متعاون من الخبراء في اللغات الست بتحضير المادة وتصنيف الموضوعات وضم المادة التي يتكرر الحديث عنها في لغات مختلفة تحت موضوع واحد حتى يتم الرد عليها جملة واحدة، وكذا تقدم المادة للعلماء الذين سيقومون بإعداد الردود العلمية، ويراعى عند تقديم هذه المادة لهم أن تترجم لهم الأفكار الأساسية للقضايا المطلوب الكتابة فيها من اللغات التي لا يجيدون القراءة بها، حتى يكون لديهم تصور شامل لكل ما قيل حول القضية المطروحة، وحتى يغطي التناول للموضوع وجهات النظر التي قيلت فيه.
وأبان د.القرعاوي أن من آليات مواجهة ما صدر عن المستشرقين إنشاء مؤسسة إسلامية علمية عالمية، لأن هناك ضرورة ملحة لإقامة مؤسسة إسلامية عالمية للبحوث العلمية الإسلامية، تكون بعيدة كل البعد عن أية تيارات سياسية أو دعائية، ويتكون أعضاؤها من صفوة الباحثين الإسلاميين في شتى المجالات بصرف النظر عن جنسياتهم، في حدود مائة عضو يتوزعون إلى مجموعات عمل يقوم كل فريق منها بدراسة قطاع معين من قطاعات الفكر الإسلامي، وتخطط هذه الصفوة أيضاً للبحوث الإسلامية في جامعات العالم الإسلامي، فتصل الماضي بالحاضر وتجدد شباب تراثنا وتجنده لخدمة الحياة الإسلامية المتجددة، مؤكدًا أن من تلك الآليات إيجاد دائرة معارف إسلامية، وهي من بين الأولويات العلمية الملحة، مشروع إصدار دائرة معارف إسلامية جديدة، فلا يجوز أن نظل نقتات فكرياً من دائرة المعارف الإسلامية التي قام بإعدادها المستشرقون قبل الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أن المستشرقين قد تجاوزوها وانتهوا منذ بضع سنوات من إصدار دائرة معارف إسلامية جديدة، وواجبنا نحن المسلمين أن نقوم بإصدار دائرة معارف إسلامية باللغة العربية واللغات الأوروبية الرئيسية تقف على الأقل في مستوى دائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين تخطيطاً وتنظيماً وتتفوق عليها علمياً، وتنقل وجهة النظر الإسلامية في شتى فروع الدراسات الإسلامية والعربية على المسلمين وغير المسلمين على السواء، فكل فراغ فكري لدينا لا نشغله بأفكار من عندنا يكون عرضة للاستجابة لأفكار منافية، وربما معادية لأفكارنا، فلا نلومن إلا أنفسنا.
وشدّد د.القرعاوي في هذا الصدد على أنه ينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن دائرة المعارف الإسلامية المقترحة تختلف عن (موسوعة الرد على المستشرقين)، فالموسوعة الأولى محدودة في إطار الرد على شبهات معينة أثارها المستشرقون، ومناقشة هذه الشبهات وتفنيدها، أما دائرة المعارف الإسلامية المطلوبة فهي عامة شاملة لكل جوانب الإسلام والفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بوجه عام، موضحاً الآليات لمواجهة الرد على أقوال المستشرقين، ومنها: إنشاء جهاز عالمي للدعوة الإسلامية، وترجمة إسلامية صحيحة لمعاني القرآن الكريم، وتقنية التراث الإسلامي، والحضور الإسلامي في الغرب، والحوار مع المستشرقين المعتدلين، وكذلك إنشاء دار نشر عالمية تقوم بنشر المطبوعات الإسلامية بكافة اللغات (الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، مقتطفات من تقرير ندوة الرد على المستشرقين)، وأخيرًا إنشاء موقع على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وإدخال الموسوعة الإسلامية وبرمجتها على شبكة المعلومات وبكل اللغات، حتى يتمكن من يريد الاطلاع على الإسلام ومنهجه من ذلك، وحتى نسهم بطريقة عصرية في الدعوة إلى دين الله ونشره بسهولة ويسر.