اتصل بنا
فضل حسن الخلق
01/09/2007

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونستهديه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وقدوتنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، أما بعد:

عباد الله: فلا شك أن لحسن الخلق في الإسلام شأنًا عظيمًا ومنزلة عالية، وأن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وأحسنهم خلقًا أقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسًا، كما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك.

وقد حثت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على التخلق بالأخلاق الحسنة ورغبت في ذلك أيما ترغيب، كما أنها حذرت من الاتصاف بالأخلاق المذمومة والخصال القبيحة.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أوضح في عبارة مختصرة وجُمل قصيرة الغاية من بعثته، فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

أيها الإخوة: إن حسن الخلق لا يكون فقط مع الناس، بل يكون مع الله سبحانه وتعالى في الدرجة الأولى، وحسن الخلق مع الله يكون بتصديق أخباره عز وجل، مما أخبر به، أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصدقه ولو لم تفهمه عقولنا، ويكون حسن الخلق مع الله أيضًا بتطبيق أحكامه، والصبر على ما قضى وقدَّر، والحال الآخر لحسن الخلق، هو حسن الخلق مع الناس، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضرب المثل والقدوة الحسنة في حسن الخلق، فقد أثنى عليه ربه عز وجل في كتابه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وامتن سبحانه عليه بأن حسَّن خُلقه، فجعله ليِّنًا للمؤمنين، فقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ ووصفه سبحانه بالرأفة والرحمة للمؤمنين، وهذا من حُسن الخلق، فقال عز وجل: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وحينما سُئلت زوجه عائشة رضي الله عنهما عن خُلقه قال: “كان خلقه القرآن”.

وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على حُسن الخلق، فقد كان يدعو الله أن يهديه لأحسن الأخلاق ويصرف عنه سيئها، ويستعيذ بالله من منكرات الأخلاق ويدعو الله أن يحسن خلقه، وأثنى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على حسن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه عائشة رضي الله عنهما تقول عنه صلى الله عليه وسلم: “لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا ولا صاخبًا بالأسواق ولا يجزي بالسيئة ولكن يعفو ويصفح”.

والصحابة كذلك كانوا مضرب المثل في حُسن الخلق، ولا عجب في هذا، فقد رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورثوا عنه الأخلاق الحسنة، ولقد أثنى الله عليهم بأخلاق حسنة، فقال: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، وقال: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، ووصفهم بالرجولة فقال: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ والرجولة صفة كمال في الذكر.

فهذا ابن عباس رضي الله عنهما شمته رجل، فلما قضى مقالته قال ابن عباس: يا عكرمة، انظر هل لرجل حاجة فنقضيها، فنكَّس الرجل رأسه واستحى، والسلف الصالح بعد الصحابة كانوا كذلك.

أيها الإخوة: لحسن الخلق مكانة رفيعة في الإسلام، وتتبين مكانته فيما يلي:

إن الله أثنى على نبيه بحُسن الخلق، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، إنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وفي لفظ: «صالح الأخلاق» فكأنه صلى الله عليه وسلم حصر البعثة في إتمام مكارم الأخلاق، وإذا علمت أخي المسلم أن مكارم الأخلاق لها حالان هما: حُسن الخلق مع الله وحُسن الخلق مع الناس، إذا عرفت ذلك، اتضح لك لماذا حصرت البعثة في إتمام مكارم الأخلاق، وإن كان المقصود بالأخلاق في الحديث التعامل مع الناس فقط، فالحديث محمول على بيان عظيم فضل الأخلاق وعلو مكانتها في الدين كما جاء عن الوقوف بعرفة: «الحج عرفة».

أيضًا فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم أمته فقال في الحديث الذي رواه الترمذي: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن»، وفي مسند أبي يعلى: «عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما تُجملَّ الخلائق بمثلها» كما أن حسن الخلق يُدخل الجنة، وكلنا ينشد الجنة، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ بل عدَّه الرسول صلى الله عليه وسلم من أكثر ما يدخل الجنة، ففي الحديث: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، فقال: «تقوى الله وحسن الخلق»، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: «الفم والفرج».

ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه».

ومن عظيم حسن الخلق أن من حَسُن خلقه يبلغ درجة الصائم القائم، ففي الحديث الذي رواه أحمد «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار».

وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا: «إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقًا».

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

عباد الله: روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تغضب»، فردد الرجل سؤاله مرارًا فكان صلى الله عليه وسلم يقول: لا تغضب، وقد ذكر العلماء في شرح هذا الحديث أن النهي عن الغضب منصرف إلى النهي عن العمل بمقتضى الغضب، وليس النهي الوارد في الحديث راجعًا إلى نفس الغضب، فإنه من طباع البشر فلا يمكن دفعه ولا استئصاله، وإنما يمكن كتم الغضب واحتوائه وعدم تنفيذ مقتضاه، قال تعالى: ﴿والكاظمين الغيظ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وفي الحديث: «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب» وهكذا نلحظ حرص الإسلام على نظافة المسلم ظاهرًا وباطنًا، والمؤمن الحق هو الذي لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يذله أحد ولا يتملق ولا ينافق له؛ لأن الأمور كلها بيد الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ فيجب على المرء المسلم أن يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه، وأن يعلم أن الدنيا هي دار ممر وليست دار مقر، وأن يتجنب الحسد، فإنه من أبشع الرذائل وأقبح الصفات التي يبتلي الله بها المرء، وهي صفة تمحق الدين وتدمر الأخلاق الحسنة وتجعل المتصف بها إنسانًا حقيرًا جدير بمقت الله وسخط الناس عليه، روى الإمام أحمد في مسنده عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» مع الحسد لا يزكو عمل ولا تبقى صالحة ولا ترفع إلى الله حسنة، قال عليه الصلاة والسلام: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» وطبيعة الحسد طبيعة لئيمة، فهي تأبى إلا أن تجهر بالسوء وتأمر بالفحشاء وتنكر المعروف وتقبح الحسن، وتذم من هو جدير بالمدح والثناء وتقطع ما أمر الله به أن يوصل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسد في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن، فقام به وأحلَّ حلاله، وحرَّم حرامه، ورجل أتاه الله مالًا فوصل به أقرباءه ورحمه وعمل بطاعة الله تمنى أن يكون مثله» أَلاَ فليتنافس المتنافسون ذوي الأخلاق الكريمة الخالية صدورهم من الحقد والغل والحسد، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الناس أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد» اللهم اجعلنا من الأتقياء الصالحين، اللهم طهر قلوبنا من الغل والحسد وألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة، اللهم اجعلنا أخوة متحابين في الله متعاونين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين وأهلك من أراد بالمسلمين سوء واجعله غنيمة للمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين، اللهم اجعلنا من أنصار دينك والمنافحين عن شرعك يا رب العالمين، اللهم خذ بأيدينا للبر والتقوى، اللهم من أرادنا أو أراد أي بلد إسلامي بسوء فاشغله بنفسه واجعل الدائرة عليه وأهلكه يا رب الأرباب ومسبب الأسباب.

اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، إنك سميع مجيب الدعاء.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى الآل والصحب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وقوموا إلى صلاتكم يغفر الله لنا ولكم.

 

 

 

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
download intex firmware
Download WordPress Themes Free
free download udemy course