أكد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتور سليمان بن صالح القرعاوي أن الدين الإسلامي هو دين الوسطية والاعتدال والسماحة واليسر، مبرزًا أن ذلك يتجلى في انتشار الإسلام في أصقاع المعمورة.
جاء ذلك في مستهل حديث لفضيلته عن وسطية وسماحة الإسلام، وقال: إن الإسلام دين الوسطية، والوسطية تعني التوازن بين الأمور المتقابلة والتوسط بين الأطراف المتباعدة على ما تقتضيه النصوص الشرعية، وأمة الإسلام أمة الوسط، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، فالوسطية من أظهر خصائص الدين الإسلامي، ومن ذلك فهو وسط بين الرهبانية المنقطعة عن الدنيا، والشهوانية الغافلة عن الآخرة، ففي الأول قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، وفي الثانية قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
وأبان فضيلته أنه من عظمة هذه الأمة أن الله جعلها شاهدة على من سبقها من الأمم في تبليغ رسلها، فقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، ومن مبدأ الوسطية في الإسلام تقرير مبدأ السماحة واليسر وإنكار الغلو والعسر، وقد وردت النصوص بالنهي عن الغلو والتشدد في أمر الدين أصولًا وفروعًا، وقد ترجم البخاري -رحمه الله- في صحيحه: باب الدين يسر، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة) كما وردت النصوص بترك التكلف علماً وعملاً، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، وقال عمر -رضي الله عنه- (نهينا عن التكلف) رواه البخاري.
واستعرض الدكتور سليمان القرعاوي بعضًا من الأدلة على سماحة الإسلام ويسره، ومنها انتشاره في أصقاع المعمورة، حيث لم يعرف على مدار التاريخ أن الإسلام انتشر بالسيف أولاً، بل إن أكثر البلدان التي فتحت على يدي المسلمين فتحت دون عنوة، وقد شهد لذلك الأعداء قبل الأصدقاء، كذلك نلحظ جليًّا أن الإسلام ساوى بين الناس، ففي مجتمع المسلمين الأول في المدينة النبوية قامت الركيزة الثانية، وهي التآخي والاجتماع، بعد الركيزة الأولى وهي الإيمان بالله تعالى، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا}، ومن منطلق ذلك فقد جمع الله بالإيمان بين أبي بكر التيمي، وعمر العدوي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي -رضي الله عنهم- فزالت الفوارق، وألغيت العنصريات، ووحدهم بالإيمان، وصاغ منهم أمة واحدة، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وشدد فضيلته على أن أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، مشيرًا إلى ما قاله القرطبي حول قوله تعالى أي في الدين والحرمة، لا في النسب ولهذا قيل: فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب (الجامع لأحكام القرآن 2-2873)، ولذا، قال الله تعالى لنوح عليه السلام فيما يتعلق بابنه: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}.
وقال: إن الإيمان يشيع جوًّا من التواد والتراحم والتعاطف وبذل العون، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري رقم 2262، ويجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- تمام إيمان العبد وكماله معلقًا بمحبة المؤمنين ومحبة الخير لهم، كما في الحديث عن أنس – رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدهم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري رقم 12، وقد آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصاري، وظهرت في هذه المؤاخاة عظمة المشاعر الإيمانية، ثم إن هذا الشعور لا يقف عن حد المجتمع الإسلامي، بل إن من التعارف والتواصل يمتد بسبب هذا المشترك الإيماني بالله تعالى إلى سائر المجتمعات، إرادة للخير، واستقباحًا للشر في حق الناس جميعاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
وواصل فضيلته حديثه عن يسر الإسلام وسماحته قائلاً: ففي جانب الدعوة الإسلامية، نلحظ أنها دعوة ربانية، فقد اتسمت باليسر والسهولة، في مبادئها وفي منهجها وتشريعاتها وأحكامها، وفي طريقة تبليغها ونشره بحيث تتفق مع فطرة البشر، لأنها من عند الله تعالى، جاءت من الله الكريم ورحمة بهم فكانت يسرة سهلة، لا حرج فيها ولا عسر ولا إرهاق، يقول الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، ويقول عز وجل: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، فكان من ثمار ذلك أن كانت أحكام الشريعة وتكاليفها وفق مقدرة المرء الجسدية والعقلية والفكرية، وصدق الله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، ومن هذا المنطلق يستحيل أن ينتشر الإسلام، ويصل إلى القاصي والداني عن طريق العنف والإرهاب، حتى في أحلك أحوالكم، وأضيق الظروف، لم نسمع عن نصح وإرشاد تم بالقهر والقوة، ولعل محاكم التفتيش التي تمت في الأندلس، وتسلط المغول خير شاهد مضاد.
وقال الدكتور القرعاوي في ختام حديثه: إن من نعمة الله علينا أن أنعم علينا بدولة رشيدة، تعمل دومًا ودائمًا على نشر الإسلام خارج المملكة، وإيجاد السبل الداعية إليه، وتذليلها ودعمها، منها السفارات والملحقيات، ومكاتب الدعوة والمراكز التابعة لها تقوم بعملها خير قيام، وقد ساهمت هذه الجهات بالمطلوب منها وأكثر، فمثلًا وزارة الشؤون الإسلامية لها ممثليات ومكاتب في كل دولة، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف له دور كذلك عن طريق طباعة المصحف باللغة العربية، وترجمة معانيه بعدة لغات، سائلًا الله أن يوفق العاملين المخلصين لكل خير وأن يسدد خطاهم لما فيه صلاح العباد والبلاد.