اتصل بنا
الأخلاق في الإسلام
25/05/2008

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله وحده، القائل: ﴿ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين، وأشهد ألا إله إلا الله معز من أطاعه ومذل من عصاه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، القائل: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن الأخلاق في الإسلام هي الأخلاق الفاضلة، إنها صالح الأخلاق ومحاسن الأخلاق ومكارم الأخلاق، فالرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» وفي رواية أخرى: «إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق».

والقيم الخلقية الفاضلة هي تلك القيم الإنسانية العليا التي أصبحت سلوكًا للأفراد ونهجًا للجماعة والأمة.

والقيم الإسلامية من منظور إنساني شامل، تمثل منظومة أخلاقية لتأسيس أرقى حضارة إنسانية يكون فيها الإنسان كما أراد له الله تعالى خليفة في الأرض، ويستحق بنو آدم تلك المرتبة التي أرادها الله لهم وكرمهم بها، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.

والبناء الأخلاقي للأمة هو الإطار الذي يحكم تصرفات الأمة ومواقفها في الداخل والخارج.

عباد الله: إنه من السهل على أمة أن تنقل حضارة علمية وتقنية، ولكن عليها أن تصوغ الثقافة التي ترتبط بها والتي تنعكس في القيم الأخلاقية وأساليب الحياة ونوع المشاعر والوجدانات في الشكل الذي يناسبها؛ لأن المضمون قد يتفق، ولكن التعبير والشكل الخاص بهذا المضمون يتنوع ويختلف.

والبحث في الأخلاق الإسلامية هو بحث في ثقافة الأمة وحضارتها، فالنظام الاجتماعي والسياسي للأمة في نطاقه الداخلي والخارجي هو النظام الخلقي، فالنظام الأخلاقي هو الأساس الذي تقوم عليه ثقافة الأمة الإسلامية وحضارتها، وهو المنتج الذي تنتجه الأمة الإسلامية أفرادًا وشعوبًا ونظمًا في جميع الأحوال الخاصة والعامة وفي جميع المواقف، والنظام الخلقي في الإسلام نظام يقوم على الشريعة الإسلامية لكل ما يتضمنه هذا النظام من أوامر ونواه وواجب وحلال ومباح.

فالشرع هو ضابط النظام الخلقي الذي يضبط منهج الأمة وسلوك أفرادها وهو الإطار الذي ينظم كل ذلك وهو المعيار الذي يقوم على أساسه المنهج والسلوك والمواقف، ولقد حثنا الإسلام على التخلق بالأخلاق الفاضلة.

أيها الإخوة: من الأخلاق الجامعة في الإسلام خلق الوفاء الذي يمتد ليشمل الدين كله، والحياة بأسرها، فهناك وفاء للخالق ووفاء للخلق، ولا انفصال بينهما، فالوفاء لله مقدره الوفاء للبشر، والحفاظ على عهد الله بداية الحفاظ على عهود البشر، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم 

نقض العهد وخلف الوعد من طبع المنافقين، فقال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» متفق عليه، والإسلام لا يفرق في الوفاء بالعهد بين مسلم وغير مسلم، ولا بين قريب وبعيد ولا بين صديق وعدو.. قال تعالى:  ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، كما أن الأمانة تقترن بالوفاء اقترانًا وثيقًا، فالوفاء ينظم كل عمل يؤتمن عليه المرء من ربه، أو أهله، أو أمته، لذلك الأمانة تعد من الفضائل الرئيسة والقيم المهمة في حياة الأفراد والجماعات، وقد اهتم الإسلام بها اهتمامًا بالغًا إلى الحد الذي جعلها صنوًا للدين وعلامة على الإيمان، بمعنى أن غيابها يعني في الوقت نفسه غياب الإيمان، ولا غرابة في ذلك، فهما مشتقان من أصل لغوي واحد، وفي هذا السياق جاء الحديث النبوي الشريف: «ألا إنه لا دين لمن لا أمانة له وإن صام وصلى» رواه أحمد في مسنده. 

أحبتي في الله: ومن معاني الأمانة وتطبيقاتها في الإسلام: أن الأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة وهي ترمز إلى معانٍ شتى، مناطها جميعًا شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسؤول عنه أمام ربه على النحو الذي فضلَّه الحديث الشريف: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته» رواه مسلم في صحيحه.

ومن معاني الأمانة وضع كل شيء في المكان الجدير به واللائق به، فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال، يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» رواه مسلم.

إن الكفاية العلمية أو العملية ليست لازمة لصلاح النفس، فقد يكون الرجل رضي السيرة، حسن الإيمان، ولكنه لا يحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجًا في وظيفة معينة، ومن معاني الأمانة أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملًا في العمل الذي يناط به، وأن يستنفد جهده في إبلاغه تمام الإحسان، ومن الأمانة ألا يستغل الرجل منصبه الذي عين فيه لجر منفعة إلى شخصه أو قرابته، فإن التشبع من المال العام جريمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» لأنه اختلاس من مال الجماعة الذي ينفق في حقوق الضعفاء والفقراء، ويرصد للمصالح الكبرى، ومن معاني الأمانة أن تحفظ حقوق المجالس التي تشارك فيها، فلا تدع لسانك يفشي أسرارها ويسود أخبارها، وللعلاقات الزوجية في نظر الإسلام قداسة، فما يضمه البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته يجب أن يطوى في أستار مسبلة، فلا يطلع ليه أحد مهما قرب، والودائع التي تدفع إلينا لنحفظها حينًا ثم نردها إلى ذويها حين يطلبونها هي من الأمانات التي نسأل عنها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على الهادي البشير النذير الذي أثنى الله عليه فقال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فمن الأخلاق الفاضلة التي دعانا الإسلام إليها وحثنا على التمسك بها خلق الحياء، والحياء انقباض النفس عن فعل القبائح وتركها، وقال آخرون: الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، خالقًا كان أو مخلوقًا، والحياء قسمان: جِبلي ومكتسب، فالجبلي هو ما فطرت النفوس عليه من ترك ما يحيك في الصدر ويخشى المرء اطلاع الناس عليه، ككشف العورة ومعاشرة المرأة أمام الناس. ومكتسب: وهو ترك ما يُذم شرعًا كشرب الخمر والجهر الفطر في رمضان والتهاون في الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» رواه مسلم، وامتداحه عليه الصلاة والسلام فقال: «الحياء خيرٌ كله» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير» رواه البخاري. وقولهم: لا حياء في الدين، بمعنى أن المرء لا يمتنع عن السؤال في أمور دينه واكتساب الفقه فيه، ولا يتحرج من طلب العلم مهما كان غنيًا أو فقيرًا، رجلًا أو امرأة وسواء أكان السؤال في الشؤون العامة أم الخاصة، والحياء يتنافى مع الجبن، فالحياء يمنع من القبائح، أما الجبن فيمنع من المكارم، والحياء أمارةٌ صادقة على طبيعة الإنسان، فهو يكشف عن قيمة إيمانه ومقدار أدبه، وعندما ترى الرجل تحرج من فعل ما لا ينبغي، أو ترى حمرة الخجل تصبغ وجهه إذا بدر منه ما لا يليق فاعلم أنه حييٌ الضمير نقي المعدن ذكي العنصر، وإن رأيت الشخص صفيقًا لبيد الشعور لا يبالي ما يأخذ أو يترك فهو امرؤ لا خير فيه، وليس له من الحياء وازع يعصمه عن اقتراف الآثام وارتكاب الدنايا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء»، وقال عليه الصلاة والسلام: «الحياء والإيمان قُرِنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».

ومن مواضع الحياء في الإسلام أن الحياء في الكلام يتطلب من المسلم أن يطهر فمه من الفحش وأن يتنزه لسانه عن المعيب، ومن الحياء أيضًا أن يخجل الإنسان من أن يؤثر عنه سوء وأن يحرص على بقاء سمعته نقية من الشوائب، بعيدة عن الإشاعات السيئة.

ومن فوائد الحياء أنه من خصال الإيمان وحسن الإسلام، هجر المعصية خجلاً من الله، والإقبال على الطاعة بوازع الحب لله تعالى.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروه يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
download mobile firmware
Download WordPress Themes
udemy free download