اتصل بنا
خيرٌ من ألف شهر!
31/07/2021

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى 

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر لله على ما أولانا من سابغ نعمه وجميل عرفانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على سننهم واقتدى بهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فإني أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأذكركم موعظته بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.

أيها الإخوة المؤمنون: ها هي ليلة القدر تطل علينا في رحاب العشر الأواخر من رمضان، إنها من أكرم ليالي الزمان، بل هي في ميزان الله تعالى خير من ألف شهر بأيامها ولياليها، وذلك لما أودع فيها سبحانه من الأسرار والحقائق واللطائف، ولما أنزل فيها على عباده من الخيرات والبركات والرحمات، حتى قال فيها: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ.سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.

تعالوا بنا أيها الإخوة المؤمنون لنقف في خطبتنا اليوم حيال هذه الليلة المباركة عسى أن يمن الله تعالى علينا بأن نكون من أهلها والمقبولين عنده فيها.

معاشر المؤمنين: لقد حدد الله في كتابه الخالد خصائص تلك الليلة وأهم صفاتها، بدءًا من اسمها وانتهاء بطلوع فجرها، فهي ليلة القدر، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وما أسبغ الله سبحانه هذا الاسم الكريم عليها، إلا إشعارًا بسمو قدرها ورفعة شأنها عند خالقها القدير وتنويهًا بفضلها على سائر أيام وليالي العام.

وذلك لما تضمنته من خصال واشتملت عليه من صفات، لم يحظ بها غيرها من ليالي العمر، فهي الليلة الموعودة المشهورة، التي تم فيها الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، وهي الليلة الولود التي بزغت فيها شمس الهدى على الوجود كله، فكانت من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فهي ليلة لا حدود لفضلها، ولا عدل لها من أيام الزمن ولياليه، فهي خير من ألف شهر، بل من آلاف الشهور، فكم من آلاف الشهور وآلآف السنين قد مضت عقيمًا لا تلد شيئًا ينتفع به، ولا تطلع على الناس ببارقة من خير يتلقونه منها، فانقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة من آثار وتحولات.

ففيها يفرق كل أمر حكيم، حيث تقوم فيصلًا بالقرآن بين الحق الخالد والباطل الزاهق، وتوزن فيها أقدار الناس حسب قربهم وبعدهم من الله، كما تقدر فيها الأمور والأحكام والأرزاق والآجال، وما يكون في تلك السنة، إلى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة، ومعنى هذا أن الله يظهر ذلك لملائكته، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، بأن يكتب لهم ما قدَّره لتلك السنة، ويُعرفهم إياه، وليس المراد من أن يحدثه في تلك الليلة؛ لأن الله تعالى قدَّر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض. وقد قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: بلى، قيل له: ما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر.

فما وُضِع في تلك الليلة من قيم وأسس وموازين، وقُدر فيها من أقدار الأفراد وأقدار الشعوب والأمم، وأقدار الحقائق والأوضاع والقلوب؛ كفيل بأن يسمو بقدر هذه الليلة، لتكون الوعاء الذي حمل الرحمة العامة إلى الإنسانية كلها، والظرف الذي تنزلت فيه أولى قطرات غيث الهداية العظمى على الحياة.

وقد زاد المولى سبحانه في إعلاء شأنها بين ليالي الزمان بأن خصها بكثرة نزول الملائكة فيها، وهبوطهم بشآبيب الرحمة الإلهية، والبُشرى على المؤمنين الذين يغتنمون هذه الليلة بالمثول بين يدي ربهم ركعًا وسجدًا، يبتغون فضلًا من ربهم ورضوانًا، فتتنزل عليهم ملائكة الرحمة بأمر الله من العفو والمغفرة للتائبين المستغفرين، والرضا والقبول للطائعين العابدين، والاستجابة والرحمة للسائلين المتضرعين ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، فيهبط جبريل عليه السلام بكوكبة عظيمة من الملائكة تشريفًا وتكريمًا، يصلون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل، ويحفون بجموع المصلين. فإذا بهذه الليلة المباركة يتدفق منها سلسال نور الهداية.

أيها الإخوة المؤمنون: اعلموا أن هذه الليلة المباركة، لم تحظ بهذا الشرف العظيم، وبذلك القدر الرفيع، والفضل الجليل، وبذلك النور المقدس الدافق في شرايينها، وبتنزّل الملائكة فيها، وبالسلام؛ إلا لأن الله عز وجل اختارها بين ليالي الحياة، لتكون موعد نزول القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

إنه ذلك المنهج الخالد الذي أوضح للعباد صفاء العبودية الحقة لله تعالى، والذي أنزله سبحانه؛ ليكون آخر منح لحركة حياة الإنسان على الأرض، ودستور رحلته إلى يوم الدين، حيث انبثقت منه عقدية وتصور وشريعة وآداب، باتت منهجًا واضحًا كاملًا، صالحًا لإنشاء حياة إنسانية طاهرة فاضلة في كل بيئة وزمان، فكان القرآن مبعث الهداية إلى الأقوم ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، ولا عجب أن تسمو ليلة القدر وتبلغ من العظمة بأن تكون ليلة النور، والأمن والسلام، فبادروا يا معشر المؤمنين إلى اغتنام ليلة القدر، واجتهدوا في طلبها في هذا العشر الأخير من رمضان، وأكثروا فيها من الدعاء والتضرع والبكاء، فلقد قال سيد المرسلين: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم» رواه ابن ماجه وإسناده حسن.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

قال الرازي: إن الله تعالى أخفى ليلة القدر كما أخفى سائر الأشياء، وذلك للحرص والتحري وطلب الأجر:

1-أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغب المؤمنون بكل الطاعات.

2-أخفى سخطه في المعاصي ليتحرزوا عن جميع المعاصي.

3-أخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات.

4-أخفى اسمه الأعظم ليعظموا كل الأسماء.

5-أخفى الصلاة الوسطى ليحافظوا على كل الصلوات.

6-أخفى قبول التوبة ليواظبوا على جميع أقسام التوبة.

7-أخفى وقت الموت ليخاف المكلف من الله تعالى في كل وقت.

8-أخفى ليلة القدر ليعظموا جميع ليالي رمضان.

9-أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة حتى يجتهدوا في الدعاء طيلة يوم الجمعة.

فلنجتهد في هذه الأيام المباركات، بقية العشر الأواخر علَّ الله أن ينظر إلى ضعفنا فيتوب علينا ويرحمنا ويعتقنا من نيرانه.

عباد الله: لقد خص الله تعالى هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم بشرف هذه الليلة ولم تكن لمن قبلهم على الصحيح المشهور، واختلف في سبب ذلك:

قال الإمام مالك رحمه الله من رواية القاسم وغيره: وسمعت من أثق به يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرًا من ألف شهر.

وروى البيهقي في سننه عن مجاهد مرسلًا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر.

اللهم يا عظيم يا رحيم لا تحرمنا أجر هذه الليلة المباركة، اللهم اجعلنا فيها من عتقائك من النار ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات.

تلك درر رمضان وما أكثر فضائله فهنيئًا لعبد اغتنمه في الأعمال الصالحة، وجبر الله مصيبة من ضيع أيامه فيما لا يفيد إلا الندامة.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك منازل السعداء وكرامة الشهداء والنصر على الأعداء، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقيموا الصلاة. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
download samsung firmware
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free