اتصل بنا
كفى بالموت واعظًا
01/09/2021

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله المحيي المميت المبدئ المعيد الفعال لما يريد، القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير وأشهد أن لا إله إلا الله سبق بالآجال علمه ونفذت فيه إرادته ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي كانت حياته مثلًا عاليًا في مكارم الأخلاق وجلائل الأعمال اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته والتابعين لهم بإحسان، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واعلموا أن أقدامكم على النار لا تقوى، وأن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

أيها المسلمون: لقد اختلفت آراء الناس وتوجهاتهم وكثر نقاشهم حول قيمة الحياة الدنيا، حتى اعتبرها كثير منهم غاية لهم، وحُكم الإسلام هو فصل الخطاب، فالحياة في نظر الإسلام أهم من أن تنسى ولكنها في الوقت نفسه أتفه من أن تكون غاية: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.

عباد الله: هناك خصلتان ذميمتان خطيرتان على من لم يحذرهما، تلاحقان الإنسان ملاحقة شديدة حتى في الأحوال التي تشيب فيها اللحية وتضعف فيها الهمة ويدنو فيها من انتهاء العمر، وزيارة القبر، خافها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته، وحذرها منها، بأسلوب الإخبار المتضمن الإنذار، ألا وهما الحرص وطول الأمل، والحرص المفقر لأهله مهما ملكوا من أمر وجمعوا من حطام، والأمل المتعب لهم والسارح بهم في خيالات يكون الأجل إليهم فيها أقرب من تحقق الأمل، قال صلى الله عليه وسلم: «يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر» رواه الشيخان والترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» رواه أحمد والترمذي.

ومدار هذه الإخبارات مخاطبة ذوي القلوب الواعية، فعلى النفوس المتطلعة إلى ما عند الله أن يبذلوا جهودهم في تحرير عقولهم وسلِّ نفوسهم من هذه الأدواء الفتاكة، داء الحرص على المال والشرف الذي يطوي الرقاب ويسترق الألباب.

عباد الله: ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في ذاكرته، ليلة في بيته مع أهله وأطفاله منعمًا سعيدًا في عيش رغيد وفي صحة وعافية، يضاحك أولاده ويضاحكونه يلاعبهم ويلاعبونه، والليلة التي تليها وبينما الإنسان يجر في ثياب صحته منتفعًا بنعمة الصحة والعافية، فرحًا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض وجاءه الضعف بعد القوة، وحلّ الهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء، ولم يعد يؤنسه جليس ولا يريحه حديث يفكر في عمر أفناه وشباب أضاعه، ويتذكر أموالًا جمعها وقصورًا شيدها وضياعًا جدّ وكدّ في حيازتها، ويتألم لدنيا يفارقها ويترك ذرية ضعافًا يخشى عليهم الضياع من بعده، مع اشتغال نفسه بمرضه وآلامه وتعلق قلبه بما يعجل شفاءه، ولكن ما الحيلة إذا استفحل الداء ولم ينفع الدواء وحار الطبيب ويئس الحبيب: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾، عند ذلك تغير لونه وغارت عيناه ومال عنقه وأنفه وذهب حسنه وجماله وخرس لسانه وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، يقلب بصره فيمن حوله من أهله وأولاده وأحبابه وجيرانه، ينظرون ما يقاسيه من كرب وشدة، ولكنهم عن إنقاذه عاجزون وعلى منعه لا يقدرون: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ . وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾، ثم لا يزال يعالج سكرات الموت ويشتد به النزع وقد تتابع نَفَسُه واختل نبضه وتعطل سمعه وبصره، حتى إذا جاء الأجل وفاضت روحه إلى السماء، صار جثة هامدة وجيفة بين أهله وعشيرته، قد استوحشوا من جانبه وتباعدوا من قربه، ومات اسمه الذي كانوا يعرفون كما مات شخصه الذي كانوا به يأنسون، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الإخوة: إن أكبر واعظ هو الموت الذي قدره الله على خلقه وكتبه على عباده وانفرد جل شأنه بالبقاء والدوام، فما من مخلوق مهما امتد أجله وطال عمره إلا وهو نازل به وخاضع لسلطانه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾، ولو جعل الله الخلود لأحد من خلقه لكان ذلك لأنبيائه المطهرين ورسله المقربين وكان أولاهم بذلك صفوة أصفيائه صلى الله عليه وسلم، كيف لا وقد نعاه إلى نفسه بقوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾، فالموت حتم لا محيص عنه ولا مفر منه، يصل إلينا في بطون الأودية وعلى رؤوس الجبال وفوق الهواء وتحت الماء، فلا ينجو منه ملائكة السماء ولا ملوك الأرض ولا أحد من إنس أو جن أو حيوان، ولو كانوا في بطون البروج وغياهب الحصون: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾، ولو نجا أحد من الموت لبسطةٍ في جسمه وقوة في بدنه، أو وفرة في ماله وسعة في سلطانه وملكه لنجا من الموت كثير من الناس وإلا فأين عاد وثمود؟ وفرعون ذو الأوتاد أين الأكاسرة وأين الأقاصرة أين الجبابرة والصناديد الأبطال؟ فالموت لا يخشى أحدًا ولا يبقي على أحد، ينتزع الطفل من حضن أمه ويهجم على الشاب الفتي والفارس القوي.

أيها المسلمون: الموت على وضوح شأنه وظهور آثاره سر من الأسرار التي حيرت الألباب وأذهلت العقول وتركت الفلاسفة مبهوتين والأطباء مدهوشين، الموت كلمة ترتج لها القلوب وتقشعر منها الجلود، ما ذكر في قوم إلا ملكتهم الخشية وأخذتهم العبرة وأحسوا بالتفريط وشعروا بالتقصير، فندموا على ما مضى وأنابوا إلى ربهم، فنسيان الموت ضلال مبين وبلاء عظيم، ما نسيه أحد إلا طغى، وما غفل عنه امرئ إلا غوى، ولا يمكن علاج ذلك ولا التخلص منه إلا أن يتذكر الإنسان قول الله: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت»، ولنا في سلفنا الصالح أسوة حسنة وقدوة طيبة فقد كانوا يكثرون من ذكر الموت حتى في أوقات الصفاء وأيام السرور، وكان ذلك يبعثهم على الجد في طاعة الله والبعد عن مساخطه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الدنيا دار بلاء وابتلاء وامتحان واختبار، لذلك قدر الله فيها الموت والحياة وهي مشحونة بالمتاعب، مملوءة بالمصائب طافحة بالأحزان والأكدار، يزول نعيمها ويذل عزيزها ويشقى سعيدها ويموت حيها، مزجت أفراحها بأتراح وحلاوتها بالمرارة وراحتها بالتعب، فلا يدوم لها حال ولا يطمئن لها بال، فكم من ملوك وجبابرة فتحوا البلاد وسادوا العباد وأظهروا السطوة والنفوذ حتى ذعرت منهم النفوس ووجلت منهم القلوب، ثم طوتهم الأرض بعد حين فافترشوا التراب والتحفوا الثرى فأصبحوا خبرًا بعد عين وأثرًا بعد ذات، وكل إنسان سيسلك الطريق الذي سلكوه وسيدرك الحال الذي أدركوه، ولكنه مأخوذ بغمرة من الدنيا عابرة ستليها ويلات مستغرق في سبات عميق ستكشفه سكرات الموت: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ . كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.

هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وأفضل البشرية محمد بن عبدالله صاحب الحوض والشفاعة، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر لنا ولموتانا وموتى المسلمين أجمعين، اللهم اجعل القبور بعد فراق الدنيا من خير منازلنا وأفسح بها ضيق ملاحدنا، وثبت على الصراط أقدامنا وارحم يوم العرض عليك ذل مقامنا، اللهم وفقنا للصالحات قبل الممات، وأرشدنا إلى استدراك الهفوات من قبل الفوات، وألهمنا أخذ العدة للوفاة قبل الموافاة، ونجنا يوم العبور على الصراط حين تنسكب العبرات، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين والعراق وكشمير وأفغانستان والشيشان وكن لهم ناصرًا ومؤيدًا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، واحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كل معتد أثيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy free download
download samsung firmware
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download