الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وبعد:
فمن الجدير بالذكر أنه لم تُعْنَ أمة بكتابها السماوي المقدس كما اعتنت الأمة الإسلامية بكتابها الكريم، وصدق الله إذ يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، ووصفه سبحانه فقال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وسمَّاه فقال: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾، وأنزله على سيد الأنام وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾
وظل وسيظل بأمر الله إلى قيام الساعة أعظم المعجزات، أعجز الله به الفصحاء وتحداهم، فألقموا حدراً، ولم ينبسوا ببنت شفة، وحق لهم أن يعجزوا، فمَن ذا الذي يستطيع من المخلوقين أن يتطاول لهذا المقام؛ مقام التحدي لكلام الله؟!
ولذا نادى الله عليهم بالعجز، وقرر ذلك بقرآن يُتلى في قوله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾
وقد أنزله الله على رسوله محمد – عليه الصلاة والسلام – ليقوم المؤمنون بتلاوته، فتنشرح صدورهم، وتستنير أفئدتهم، وينالوا به مثوبة الله يوم القيامة، وما تقرَّب أحد إلى الله تعالى بأفضل من كلامه؛ لأنه دستور حياتهم، ونظام مجتمعهم، ليرسم لهم طرائق الحياة السعيدة في جميع ميادينها المختلفة، سياسيةً كانت، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو علاقات داخلية أو دولية، أو غير ذلك، فقد قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وتوجيه إلى أمهات المناهج التي في سلوكها سعادة البشر في دنياهم، وفوزهم بالجنة والنعيم المقيم في أُخراهم.
ولهذا كله كان القرآن الكريم موضع العناية الكبرى من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، ومن سلف الأمة وخلَفها إلى يومنا هذا.
ولا عجب من كتابٍ هذا شأنه أن تضعه الأمة الإسلامية بين عينيها، وأن تعتني به عناية فائقة.
وقد شهدت بلادنا – المملكة العربية السعودية – والله الحمد اهتماماً عظيماً بكتاب الله، فعلاوةً على كونه مصدر التشريع لأحكامها وأنظمتها، فقد أنشأت من أجله الجامعات والمدارس بمختلف المراحل، حكومية وأهلية، يُضاف إلى ذلك ما يتلقاه الدارسون والدارسات من حفظ وتلاوة في مراحل التعليم، كذلك من عظيم اهتمام الدولة بكتاب الله أقامت المسابقات الداخلية والدولية، وأنشأت القنوات السمعية والمرئية والمقروءة لكتاب الله، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة خير شاهد على هذا الاهتمام.
ونحمد الله تعالى أننا في كل يوم نرى ثمار هذه الجهود المباركة، فجزى الله القائمين على كتاب الله خير الجزاء، وجعل ذلك في موازين أعمالهم.