اتصل بنا
المسح على الخفين
25/11/2005

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى وتعلموا من أحكام دينكم ما تستقيم به عبادتكم وتزكوا به أعمالكم، فإن الجهل داء قاتل وشفاؤه بالتعلم والسؤال، يقول سبحانه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، ومن الناس من يعبد الله على جهل ويمنعه الحياء أو الكبر من السؤال، وقد قال بعض السلف: إن هذا العلم لا يناله مستح ولا مستكبر، ولما قيل لابن عباس رضي الله عنهما، بم نلت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول، هذا وإني سأعرض مسألة يحتاج كل منكم لمعرفتها، ألا وهي المسح على الخفين وما في حكمهما، لأنكم تعلمون أن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، فأمر الله تعالى بغسل الوجه واليدين والمسح على الرأس وغسل الرجلين، عندما يريد المسلم أن يصلي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه، ومن الوضوء غسل الرجلين إلى الكعبين، لقوله تعالى: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ وهذا إذا لم يلبس عليهما حائلًا من خفاف أو جوارب، فإن كان عليهما حائل فإنه يكفي عن غسلهما مسح ظاهر ذلك الحائل من خف أو جوارب، كما ثبت ذلك بالسنة الثابتة عند النبي صلى الله عليه وسلم، قولًا وفعلًا.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح في الحضر والسفر ولم ينسخ ذلك حتى توفي، ووقت للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح، وكان يمسح ظاهر الخفين ولم يصح عنه مسح أسفلهما، ومَسَح على الجوربين والنعلين إلى أن قال: ولم يكن يتكلف ضدَّ حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه.

أيها المسلمون: يشترط لصحة المسح على الخفين أو الجوارب أن يكونا ساترين للرجلين من الكعب فأسفل، فإن كان نازلًا عن الكعب أو كان شفافًا أو مخرقًا يُرى من ورائه الجلد لم يجزِ المسح عليه، ويشترط أن يلبسهما على طهارة كاملة، فلو لبس الخفين أو الجوربين وهو على غير وضوء لم يجز له المسح عليهما، ويشترط أن لا يخلع ما ابتدأ المسح عليه، فلو ابتدأ المسح على الخف ثم خلعه بطل وضوءه، ولو كان تحته جورب؛ لأنه لم يبتدئ المسح على الجورب، وهذه مسألة مهمة فإن الكثير من الناس في هذا الزمان يلبسون خفافًا تحت الكعبين، وتحتهما جوارب، ثم يخلعون الخفاف عند دخولهم في المنازل أو المساجد ويبقون الجوارب، فالواجب عليهم في هذه الحال أن يمسحوا على الجوارب؛ لأنها هي الثابتة بشرط أن تكون سميكة خالية من الخروق والشقوق، ضافية على الرجل بحيث تكون مغطية للكعبين وما تحتهما.

ومن شروط صحة المسح على الخفين: أن يقع المسح في المدة المحددة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة» رواه أحمد ومسلم، وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس، فإذا توضأ ثم لبس الخفين، فإن مدة المسح عليهما تبدأ من انتقاض ذلك الوضوء ولو تأخر.

وصفة المسح على الخفين أو الجوربين: أن يبلَّ أصابع يديه بالماء ويضعها مفرجة على أصابع رجليه، ثم يمرّها إلى ساقيه، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى.

عباد الله: وإذا وضع الإنسان ضمادًا على جرح أو كسر في أحد أعضاء الوضوء واحتاج إلى بقاء ذلك الضِماد على الجرح أو موضع الألم فإنه يكفي عن غسل ما تحته أن يمسح عليه في الوضوء والغسل ويبقى إلى أن يستغنى عنه ثم ينزعه، وهذا من لطف الله وتيسيره على هذه الأمة؛ حيث لم يكلفها حرجًا، ومن ذلك أنه شُرع المسح على الخفين وعلى ما يشد على الجرح وموضع الألم من الضمادات الضرورية، لأن نزعها وغسل ما تحتها يشق أو يؤلم، لكن لابد للمسلم من معرفة ضوابط ذلك وشروطه حتى يفعله على الوجه المشروع، فاتقوا الله عباد الله وتعلموا من أحكام دينكم ما تتمكنون به من أداء ما أوجب الله عليكم، خصوصًا أحكام الطهارة التي هي شرط من شروط الصلاة وهي تكرر عليكم في اليوم والليلة خمس مرات، فإن الطهور شطر الإيمان، والله تعالى ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أنزل علينا خير كتبه على خير رسله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عباد الله: فإن القرآن الكريم كتاب الله الذي تحدى الله به العرب خاصة، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، أن يأتوا بصورة منه طويلة أو قصيرة، ولم يستطيعوا، وأعلنوا عدم المعارضة، والقرآن ينزل عليهم في فترات متباعدة خلال ثلاث وعشرين سنة، ثم أعلن الله عدم استطاعتهم، فقال سبحانه: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾، نعم إنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ومن أصدق من الله حديثًا ومن أصدق من الله قيلًا، وقد بلغ هذا الكتاب السماوي درجة الفصاحة والبلاغة، والعرب يستمعون إليه ويتذوقون حلاوته وعذوبته حتى أعلن قائلهم: والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه.

ألا عباد الله: فلنقرأ كتاب الله ولنتدبره، ونتخذه هداية ومنهجًا وتربية وتعليمًا وتشريعًا، ولا نستصغر سورة مهما بلغت من قصر في آياتها، فالقرآن بليغ بأقصر آية من آياته، وليست البلاغة مقتصرة على طول السورة، وليس للمسلم أن يستقل سور القرآن القصيرة، فيدعها ولا يعبأ بها، وعلى سبيل المثال سورة النصر.

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني وأشياخ بدر، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: لِمَ تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله، فقال: إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم وما رأيته دعاني يومئذٍ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في قوله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا الله أن نحمده ونستغفره إذا جاء نصر الله وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري وبعضهم لم يقل شيئًا، فقال لي ابن عباس: أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله أعلمه الله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ…﴾ والفتح فتح مكة، فذلك علامة أجلك: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.

وأخرج مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: “سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقلت يا رسول الله: أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقال: «خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ فتح مكة، ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾».

فلندرك ذلك أيها الإخوة عظمة القرآن، وأنه من حكيم حميد، وصدق الله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

اللهم صلِّ وسلم على النبي المجتبى والرسول المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر عبادك الموحدين، وانصرهم نصرًا مؤزرًا في كل مكان، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، ووفق جميع ولاة المسلمين لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم عليك بأعداء الدين الظالمين المعتدين، اللهم اجعل راية الإسلام خفاقة، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، وجميع المسلمين والمسلمات، اللهم عاملنا بما أنت أهله ولا تعاملنا بما نحن أهله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله والصحب والتابعين أجمعين، سبحانه رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
download lenevo firmware
Download Premium WordPress Themes Free
udemy free download