اتصل بنا
وسائل الاتصال والضمير الحيّ
30/06/2005

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

اتقوا الله عباد الله واشكروه على نعمه التي تترى، ولا تطغوا فيحل عليكم غضب ربكم.

أيها الإخوة: أنزل الله عز وجل المنهج الرباني لتحقيق الاستقرار الأمني على الأرض وخصه بمزيد عناية؛ لأنه أساس لبناء الحياة الآمنة والهانئة، فلا ترابط بين أفراد المجتمع إلا به، ولا ينمو علم إلا به، ولا ينمو اقتصاد إلا به، ولا تزدهر حضارة إلا به، لذا كان أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، غير أنه لا يتحقق إلا بالأخلاق الفاضلة وحياة الضمير، لأنه لا يمكن أن يصل الحق إلى صاحبه إلا بالأخلاق، ولا يطبق نظام إلا بها، لذا أوجبها الله على كل مسلم، وأقام على نفسه حارسًا وهو ضميره «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس»، إنه جهاز مراقبة يعمل بشفافية وحساسية لضبط السلوك وحفظ الحقوق والأخلاق وتمييز الخطأ من الصواب، والخير من الشر، والضار من النافع في حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، يتغذى وينمو بالعقيدة والعبادة؛ ليولد وازعًا دينيًا وعقليًا قويًا، لما اكتسبه من العقائد والعبادات، مما يصلح شأنه ويقوّم خلقه، ويقوي صلته بخالقه، بما فطرته عليه من محاسن الأخلاق؛ التي تقربه إلى ربه وتحثه على مخافة الله، وتقواه حتى لا يكاد يُقدم على عمل، أو يهم بقول أو بفعل، إلا حاسب نفسه عليه قبل إتيانه، فإن كان مما يرضي ربه أقدم عليه ابتغاء رضوان الله وطمعًا في ثوابه، وإن كان مما يغضبه أمسك عنه خوفًا من غضب ربه وعقابه، لأنه يعلم يقينًا أن الله معه حيثما كان، يعلم سره ونجواه، وصدق الله حيث ذكر في كتابه العزيز: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾، ويقول سبحانه: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ﴾، والإنسان مسؤول عن نفسه وعمّن استرعاه الله القيام عليه، كالأهل والأولاد في نطاق الأسرة الواحدة، وكذلك داخل المجتمع والمجتمعات وهكذا … وفي القرآن الكريم خير دليل على تلك المسؤولية العظيمة، يقول عز من قائل مخاطبًا أهل الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة» رواه الترمذي في سننه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾: (اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أهليكم بالذكر يُنجكم الله من النار).

وعن عمر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ﴾، قال: يا رسول الله نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال: «تنهونهم عما نهاكم عنه وتأمرونهم بما أمر الله».

وعن عطية السعدي رضي الله عنه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا لما به البأس» رواه ابن ماجه.

إذن النفس البشرية أمانة، ومسؤولية في الحفاظ على حياتها وراحتها وصفائها وسلوكها واستقامتها، بل جعل المحافظة على النفس من الضرورات الخمس، وفي هذا يقول سبحانه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، وقد جرت عادة كل إنسان على الأرض أن يهتم بشأن نفسه كل الاهتمام، فيسعى جاهدًا أن يدفع عنها أخطار الحوادث المرورية، وعجز الأمراض وندم الخسارة ومذلة الفقر، ويعمل على تحصيل كل ما تصبو إليه نفسه مما يعود بالنفع عليه ماديًا ومعنويًا، ولا يقل حرصه هذا على أبنائه – فلذة كبده – وإنما أشد وأكثر، حيث يتحمل عنهم كل أذىً محتمل، مرضًا كان أو فشلاً دراسيًا أو حادثًا مروريًا، ونحو ذلك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وذكر «والرجل راعٍ على أهل بيته  وهو مسؤول عن رعيته» متفق عليه.

هذا وإن واقع المدنية اليوم، والحياة العملية، أصبح يفرض علينا مؤثرات، تدفعنا إلى مستنقعات الأمراض وسجون الأحزان، إذ أصبحت وسائل الاتصال تربطنا بالعالم الخارجي ارتباطًا وثيقًا، بما يحمله هذا الارتباط من اختلاف في الأذواق، والمشارب والقيم والأعراف والمبادئ، ومع أن لكل مجتمع ثقافته وقيمه وأعرافه، فلنا أيضًا نحن المسلمين ثقافتنا وقيمنا وأخلاقنا.

وهنا سؤال يطرح نفسه: إذا كان الواحد منا يحرص على أن يروي ظمأه بماءٍ نقيٍ غير معكر، فلماذا لا يحرص على نقاء نفسه من المؤثرات الواردة والدخيلة؟ وإذا كان الواحد منا يحرص كل الحرص على جلب النفع المادي والمعنوي إلى نفسه، وإبعاد كل ضررٍ، فلماذا لا يحرص على ذلك عندما يجلس أمام وسائل الاتصال؟ ثم إذا كان حريصًا في ذلك على نفسه، أليس ذلك واجبًا عليه في أولاده أيضًا؟ واجبًا عليه في أهله أيضًا؛ لأن واقع المدنية المعاصرة أصبح يهدد أمن الأسرة اجتماعيًا ودينيًا واقتصاديًا ما لم نُرشِّد استغلاله، ونميز غثه من سمينه.

أيها الإخوة: إن سلامة المرء الصحية، وسلامة أسرته هي غاية ما ينشده الإنسان، فتراه يتابع أصناف الأدوية والعقاقير المستخدمة؛ لعلاج بعض الأمراض التي تنخر أجساد المرضى كالسرطان، والأمراض الجنسية كالإيدز وخلافه، فنجد المرء يتابع بشغف تلك البرامج التثقيفية الطبيعية، فكيف بما يبثه الرائي من علاقات غرامية فاضحة، أو أفلام إباحية تخدش الحياء، ناهيك عما يبثه من مجون ورقص وعري.

إنها يا عباد الله سرطان المجتمعات المعاصرة، تدمر بنية الأخلاق وتهدم الأمن، مأساة بدأت شيئًا فشيئًا تنتشر، ولا أخالها إلا وهي قابعة في كل منزل، إننا لا نزكي أنفسنا، فالإسلام حارب الرذيلة ودعا إلى الفضيلة، فهو يعمل جاهدًا على حماية هذا البيت الشامخ من الوقوع في براثن الرذيلة، عن طريق تحصينه بوقايته، فأمره بغض البصر عن الحرام، والاستئذان على المحارم، وعدم الاختلاط، وعدم إظهار المرأة زينتها لغير زوجها، كما وضع حواجز احتياطية معنوية تمنع الجريمة قبل وقوعها، فتراه ينفي الإيمان عن مرتكبيها، ويهدد فاعليها بالخزي في الدنيا، والنكال والفضيحة والعذاب الأليم في الآخرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».

وبهذا كله يتربى عند المرء الوازع الديني، والضمير الحي الذي يكون رقيبًا عليه في جميع أعماله وحارسًا يحول دونه ودون اقتحام حمى الله باقتراف محارمه.

أسأل الله أن يقينا وإياكم شر الموبقات، وأن يعصمنا من الفواحش والآثام إنه على ما يشاء قدير.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي المتقين، وأشهد ألا إله إلا الله منان غفور رحيم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن الهدف من وضع العقوبة، هو محاربة الجريمة ومنع وقوعها أو تقليلها، فإن الإسلام قد بلغ في هذه الغاية مبلغًا لم يصل إليه تشريع قبله، أو بعده، وذلك أنه حارب الجريمة قبل وقوعها، ثم قضى عليها بعد وقوعهما قضاءً يذهب أثرها ويقلل مضارها، وقد فتح طرقًا شتى، فنظر إلى إعداد قاعدة صلبة قوية المناعة ضد جراثيم الجرائم، ثم بإحاطة هذه القاعدة بتربة صالحة لوقايتها من العدوى، فقد أمر بأن يكون الإيمان هو أساس اختيار الزوجين، الذين هما أصل الأسرة، ثم أحاط الفرد منذ نشأته بالمواعظ التي تؤثر في القلوب، وتملؤها بتقوى الله والرغبة في مرضاته؛ طمعًا فيما عنده من الثواب العظيم، ثم شفع هذه الموعظة بالوعيد من ارتكاب المآثم لهذه القلوب، مخافةً ورهبةً من سخط الله تعالى، والتعرض لعذابه في الآخرة، ومن هنا نجد لزامًا على الأب أن يحصن أولاده من الوقوع تحت هذه المؤثرات، التي تثير الغرائز من مكامنها، عن طريق تربية النفس، وتنمية الوازع الديني، وصقلها بما هو نافع وصالح، والحمد لله فهناك الكثير من البدائل التي تستطيع من خلالها قضاء أوقات فراغ الأولاد، من مراكز صيفية وحلق لتحفيظ القرآن، ومناشط دعوية، ومنتزهات داخل هذه البلاد. ألا فاتقوا الله في أنفسكم وفيمن استرعاكم الله عليهم.

اللهم اهدنا وأصلح قلوبنا واملأها بالإيمان والتقوى، وأصلح شبابنا واهد ضالهم إلى الطريق المستقيم، اللهم خذ بأيديهم إلى الحق والنور المبين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى الآل والصحب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم أهلك أعداءك أعداء الدين، اللهم أهلك اليهود المغتصبين، اللهم وفق ولاة أمرنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقيموا الصلاة.

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
download redmi firmware
Free Download WordPress Themes
udemy course download free