اتصل بنا
القصة التعليمية في الحديث النبوي وأثرها على النفس الإنسانية
29/06/2021

القصة التعليمية وسيلة مهمة من وسائل نقل خبرات الحياة إلى المتلقي، ونقل المواقف الإنسانية بما تتضمنه قدرة المعلم، والقصة التعليمية من أنجح الوسائل في تربية النشء وتقويمه وتبصيره وتعديل سلوكه وتوجيهه إلى الأصلح وطريقته في عرض القصة؛ لتبسيط المعلومة أو معالجة قضية ما، أو نحو ذلك.

والقصة التربوية توجيه غير مباشر نحو التربية العملية السليمة في الخلق النبيل والمعاملة الحسنة والتفكير الصحيح، وهي من أهم وسائل التوجيه للفرد والمجتمع.

وفي السنة النبوية نلاحظ إدراك الرسول الميل الفطري إلى القصة، ومالها من تأثير ساحر على القلوب، وقد استثمرها عليه السلام؛ لتكون وسيلة من وسائل التربية والتعليم، وغدت القصة الهادفة سلاحًا نفسيًا في الدعوة المحمدية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين من خلال الجدل والحوار بسمو هذه العقيدة، ونبل أهدافها، مثل: بيان أثر الإخلاص في نجاة الإنسان من المهالك، كما في قصة الإخوة الثلاثة أصحاب الغار، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول:« إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟  قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ. وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ (أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَقُ) – إِلاَّ أَنَّ الأَبْرَصَ أَوْ الأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِبِلُ. وَقَالَ الآخَرُ: الْبَقَرُ- قَالَ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ. فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا. قَالَ فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ. وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً. فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا. قَالَ فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ. فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا. فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا. قَالَ: فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الإِبِلِ. وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ. وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ.

قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي. فَلَا بَلاغَ لِي الْيَوْمَ إِلا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ. أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ. أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.

قَالَ وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا. وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا. فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.

قَالَ وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ. انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي. فَلاَ بَلاَغَ لِي الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ. أَسْأَلُكَ، بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي. فَخُذْ مَا شِئْتَ. وَدَعْ مَا شِئْتَ. فَوَاللَّهِ! لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ. فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ»(صحيح مسلم 3/ 2275-2277).

وهذه القصة تستوفي شروط القصّ من حيث موافقته للمعقول والمنقول، فضلًا عما تتضمنه من حكمة وعبرة.

فالقصة تقدم نماذج بشرية لأنماط من البشر الذين ابْتُلُوا بالمرض والفقر، فبرُئوا من المرض، واغْتَنَوا، فكان سلوكهم بعد نجاتهم من المرض والفقر مختلفاً إزاء غيرهم ممن هم على حالهم التي كانوا عليها، فالأبرص والأقرع تنكروا لما أفاءَ الله عليهم من الصحة والمال، وهم يمثلون للأغلبية، ولحقيقة إلهية في قوله تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم، الآية 6).

أما الأعمى الذي برء من مرضه وأفاء الله عليه من نعمه، فقد امتثل لأمر الله وأوامره، وأنفق على المسكين، ويمثل هذا لحقيقتين قرآنيتين:

الحقيقة الأولى: تتضمنها الآيات: ﴿قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (الأعراف، الآية 3)، ﴿قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (غافر، الآية 58)، ﴿قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (السجدة، الآية 9).

والحقيقة الثانية: يتضمنها قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج، الآية 46).

فالعمى الحقيقي ليس عمى البصر وإنَّما هو عمى البصيرة، وتكشف القصة التعليمية في الحديث النبوي الشريف، عن أن ما جاء عن النبي يتفق مع حقائق القرآن التي تنظم الوجود الإنساني.

فكل هذه الأحداث قد وقعت فعلًا وصدقًا فيما مضى، ويمكن أن تحدث دائمًا، وهي عبرة وعظة في تربية الأفراد والمجتمع في إحسان السلوك وأداء الحقوق، وشكر النعم، وفضائل الأخلاق، وسلامة المعاملات.  

 

والله ولي التوفيق

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
download micromax firmware
Download Nulled WordPress Themes
online free course