اتصل بنا
أوقاتنا في الإجازة، إلى أين؟!
05/06/1999

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا،أما بعد:

عباد الله: من المعلوم أن أكثر الدارسين على أبواب إجازة طويلة، تزداد لذتها وراحتها بسبب ما سبقها من التعب والعمل المتواصل، ولذا كانت نفوس الكثيرين تشتاق إلى وقتها لتأنس بالخلود إلى الراحة مع عدم تكاليف العمل وشؤونه.

معاشر المسلمين: لما كان الوقت من نعم الله العظيمة على العباد فرّط أكثرهم في إشغاله بما لا ينفع، فوظفوا أوقاتهم في أمور تعود عليهم بالإثم والعصيان، وآخرون منهم إن لم تسلم أوقاهم من الإثم فلن تعود عليهم بالنفع.

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» أخرجه البخاري، قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يُوفق لذلك قليل.

وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه؟» رواه الترمذي.

معاشر المسلمين: لما كان العباد مسؤولين عن أوقاتهم ومحاسبين عليها، كان لزامًا على المسلم أن يتفقد أوقاته، وأن يحذر من أن تكون عليه لا له، قال الحسن البصري رحمه الله: (أدركت أقوامًا كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه).

وقال حكيم: من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عقّ يومه وظلم نفسه.

ولما كان أغلب الناس أو كثير منهم يقضون إجازتهم بالضرب في الأرض غدوًا ورواحًا من باب إدخال السرور على نفسه وأولاده وأصحابه، طرداً للسآمة والملل، وكان بعضهم يفرط أو يقصر في تحصيل أمور، أو يتسبب في تحصيل أمور مع أوزاره.

لما كان ذلك يحدث من عدد غير قليل من المسافرين، كان من لازم الأمر أن يقال لهؤلاء إن السفر قد يكون مطية إلى التزود من الطاعات، أو مطية إلى التزود من الخطيئات، وذلك أن تلك الأسفار جزء من أعمارهم، وكل واحد منهم مسؤول ومُساءل عن ساعات عمره فيم أمضاها.

ويقال أيضًا إن من كمال الشرع وإحاطته، شموليته لأحكام السفر وما يتبعه من حكم وأحكام وآداب، فقد جاءت نصوص كثيرة في هذا الشأن، وقد استنبط أهل العلم من تلك أحكامًا كثيرة تتعلق بذات السفر وما يتبعه، فذات السفر تارة يكون محرمًا، كالسفر بقصد ارتكاب المعاصي والتلوث بأحوالها، وتارة يكون السفر واجبًا، كالسفر بقصد قضاء فريضة الحج، وتارة يكون السفر مستحبًا، كالسفر لطلب علم أو لزيارة قريب أو صديق، وتارة يكون السفر مباحًا، كسفره للتنزه والترفيه.

وما يتبع السفر من أحكامه: قصر الصلاة وجمعها، وجريان أجر النافلة على صاحبها، إذا تركها في السفر وكان محافظًا عليها في الحضر، وكذا إفطار الصائم إن كان سفره في رمضان، إلى غير ذلك.

وبكل حال، ففي دين الإسلام من السماحة واليسر، ما يبيح للمسلم من وسائل الترفيه والترويح الشيء الكثير، لمن طلبه بصدق، وسيسعه ما وسع غيره من الناس الذين طلبوا ذلك ووجدوا ما يكفيهم، بل ما يفضل عن حاجتهم من الأنس والتنزه والترويح المأطور بإطار الشرع الحكيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

ولما كان السفر يقتطع جزءًا من وقت المرء وماله، فضلاً عن كون النفس تتوق إليه وترغبه، ولما كان الأمر كذلك، فطن إلى ذلك أعداء الإسلام، فطنوا إلى استغلال غريزة السفر في نفوس المسلمين، وتحويل تلك الغريزة إلى قصد بلادهم ومنتجاتهم، فقاموا ولم يقعدوا، في نشر وسائل الدعاية والإعلان لإغراء شباب المسلمين، فكانت أبواقهم تذكر مميزات بلادهم ومصايفها، بالغوا في وصفها وتحسينها، كل ذلك مصحوب بصور فاتنة لمناظر مختلفة من نساء وأرض ومراكب.

وقد نجح أعداء الإسلام في بعض ما راموه من أهدافهم، ومصداق ذلك أن بعض الناس منذ أن ينفض عن نفسه غبار الدراسة أو العمل، إلا ويسارع بأهله وأولاده، أو مع ثلة من أصحابه قاصدين بلدًا من بلاد الكفر، أو بلادًا تفتح ذراعيها للمنكرات بجميع أنواعها، فتحتضن أولئك الشباب بكل قوة وتستنفذ أوقاتهم وأموالهم، كل ذلك على حساب تضييع الفرائض والإصرار على المنكرات والرذائل.

فيا عجبًا من أولئك! أين حرص الآباء ومسؤولياتهم؟ هل وُئد الحياء عندهم أم ضاعت الأمانة منهم؟

أيها الإخوة: وفي المقابل يُحْمَد لكثير من الناس ما يلاحظ من حرصهم على سلامة أسفارهم، بل وتخصيص جزء من سفرهم إلى جوار البيت العتيق، أو في جوار الحرم النبوي الشريف، فهذا من البشائر المباركة، ويضاف إلى هؤلاء، أولئك الذين يضربون في الأرض يمينًا وشمالاً طلبًا للمصائف والمناظر، وقد حفظوا أمر دينهم ومروءتهم من الزلل والكدر.

هذا وإن في بلادنا أماكن تنعم بمصائف جميلة، تضاهي أو تفوق أحيانًا ما يُخدع به بعض الناس، فيجتمع للمسلم في تلك المصائف ما يحفظ عليه أمر دينه ودنياه.

ومما ينبغي التنبيه عليه: أنه يؤخذ على بعض أو كثير من ملاك أماكن السكن المؤجرة في تلك المصائف، أنهم يبالغون في ثمن تأجيرها مبالغة فاحشة، يشعر السائح فيها بالغبن، فيرغب عن تلك الأماكن، مما يكون سببًا له في الذهاب إلى الخارج بثمن مقارب أو أقل من ذلك.

شاهد المقال: أنه إذا تيسر للمسلم أماكن يروّح فيها عن نفسه ويقضي فيها أوقات فراغه، فإن ذلك مما يؤجر عليه بخلاف تلك الأوقات التي تُقضى، وتلك الأموال التي تهدر في بلاد الكفار فتعين عجلة اقتصادهم، وقد يستعينون بها على مضاعفة السعي في إفساد شباب المسلمين.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأن يجعل أوقات فراغنا حجة لنا لا علينا. اللهم احفظ شباب المسلمين من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم وفق ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين. اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
online free course
download intex firmware
Free Download WordPress Themes
udemy free download