بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله والصحب وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
عباد الله: تستقبل الأمة الإسلامية عامها الهجري الجديد وجسدها الإسلامي مصاب بجراحات كثيرة، بل لا يكاد جرح يبرأ حتى تنتكث جراحات أخرى، جهل وحرب وفقر وجوع وتشريد وتهديد وذلك واضح ومعلوم فيما يُقرأ ويُسمع ويشاهد، بل قد يقال: لم يعد مستغربًا حصول قارعة تنزل بجماعة من المسلمين أو تحل قريبًا من دارهم حتى أضحت كثير من بلاد المسلمين يصدق عليها قول الشاعر:
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصًا جناحاه
أيها الإخوة: إن الناظر بعين الإنصاف يعلم أن ما أصاب المسلمين إنما هو من جرّاء أنفسهم وذنوبهم كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ وقال سبحانه: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
عباد الله: ليس تعداد مصائب الأمة الإسلامية وجراحاتها من باب إدخال اليأس والقنوط على النفوس، معاذ الله من ذلك، فعلى رغم ما حصل ويحصل في أمة الإسلام من مصائب إلا أن الخير باقٍ فيها إلى قيام الساعة، ولكن يذكر ذلك من باب شحذ الهمم وإيقاظ العزائم وبث الحمية الإسلامية الصحيحة في نفوس المسلمين؛ لأن حالَ كثير من المسلمين على اختلاف بلاد العالم الإسلامي حالٌ يرثى لها، بسبب التبعية لأعداء الإسلام والإعجاب بهم إعجابًا مطلقًا، إضافة إلى انحلال كثير من المسلمين من قيم الإسلام وآدابه أدّى ذلك وغيره إلى غياب معالم الإسلام لا على مستوى أفراد فحسب، بل على مستوى مجتمعات، بل إن بعض المسلمين لم يكتف بالانحلال من قيم الإسلام فحسب، وإنما أصبح عونًا لأعداء الإسلام ومكثرًا لسوادهم، وذلك بتسخير نفسه وقلمه وفكره لحرب الإسلام والمسلمين، فأضحى خطرًا كبيرًا على الإسلام وأهله، ذلك لأن العدو قد عرف بعدائه وحقده، أما من كان محسوبًا معدودًا من جملة المسلمين فهذا الذي يُخفي كيده ويشتد أذاه لغفلة الكثير عن مراده وسوء مقصده، بل يزيد خطره إذا صُنف من المدافعين عن الإسلام وأهله.
أيها الإخوة: لقد حرص الإسلام على توثيق الروابط والتقارب بين المسلمين، وأكّد أهميتها، بل بلغ حرص الإسلام على أهله أن جعلهم كالجسد الواحد، يألمون سويًا ويأملون سويًا، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» أخرجه مسلم، وفي لفظ آخر عنده: «المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله» وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك أصابعه» أخرجه البخاري.
وقد تضمن هذا النص صفات بليغة في وحده المسلم مع إخوانه، فالمؤمنون كالبنيان الواحد المجتمع، ولما كان البنيان قد يكون متداعيًا أو متساقطًا، جاء الوصف الآخر بأن ذلك البنيان يشد بعضه بعضًا، فيكون كل مسلم يمثل لبنة في البيت الإسلامي الكبير.
معاشر المسلمين: ولم يكتفِ الإسلام بأن تكون وحدة المسلم مع أخيه في حال المشاهدة، بل تعدى ذلك إلى حال الغيب والبعد، فقد كان النبي صلى عليه الصلاة والسلام خارج المدينة ومعه جماعة من أصحابه فقال لهم: «إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم فيه، وهم بالمدينة حبسهم العذر» أخرجه البخاري.
وهكذا ينبغي أن تكون حال المسلم مع إخوانه في السراء والضراء، وفي الغيب والشهادة يألم لألمهم ويؤمل لأملهم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، فسفينة الإسلام واحدة، تتأثر سلبًا وإيجابًا بحسب تصرفات أهلها.
أيها الإخوة: إذا كان ذلك كذلك فليحذر كل مسلم أن يكون سببًا في إحداث فجوة على الإسلام من جهة نفسه سواء كان تقصيرًا في ذاته أو متعديًا إلى غيره، بل وليعلم كل واحد من المسلمين أنه مسؤول عن نفسه خاصة وعلى من يعول عامة.
فالإصلاح يبدأ من الذات ثم تتسع دائرة الإصلاح حتى تشمل البيت والجوار والمجتمع كل بحسب جهده.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، واجعل عامهم عام خير ونصر وتمكين يا رب العالمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
عباد الله: متى ما شَعر الفرد بمسؤوليته وقام بأدائها قدر المستطاع كان ذلك مما يقوي شوكة المجتمع خاصة وشوكة الإسلام عامة.
فإذا تكاتف المسلمون مع إخوانهم المستضعفين ودعموهم بالمال والدعاء وكانوا معهم بأحاسيسهم فإنه يحصل بذلك الأثر الكبير في استجلاب النصر بإذن الله، ومتى قام المصلحون بنشر الوعي العقدي السليم، وبصّروا الناس في عباداتهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم عاد ذلك بالنفع العظيم على المجتمع بأسره.
شاهد المقال: أنه إذا استشعر كل فرد بمسؤوليته وقام بها حق القيام كان ذلك بإذن الله من أعظم الأسباب في نصر الإسلام والمسلمين، فأمر المسؤولية عظيم.
عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» أخرجه الشيخان. فالله نسأل أن يعيننا على ما حملنا وأن يصلح لنا جميع أمورنا.
عباد الله: استكثروا من الأعمال الصالحة، ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئًا، فرب عمل يسير أورث صاحبه أجرًا عظيمًا، فليكن بعضنا عضدًا لبعض في التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ليتفقد كل منا نفسه خاصة وغيره عامة، فمن كان مقصرًا تعاهدناه.
أيها الإخوة: إن الإسلام مجتمعات، والمجتمعات أفراد، ومتى ما أصلح الفرد نفسه صلح جزء من مجتمع المسلمين، وعلى هذا فكل منا على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله.
أيها المسلمون: وإن مما يعين على تهذيب النفس تعويدها على عمل الخيرات، وإن من الخيرات صيام يوم عاشوراء، فصيامه يكفر سنة ماضية كما قال صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» أخرجه الترمذي بمعناه عن أبي قتادة رضي الله عنه، وقد صامه صلى الله عليه وسلم وهمّ بصيام يوم قبله فقال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع».
اللهم اجعل هذا العام عام خير وبركة للإسلام والمسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأذل الشرك والمشركين، اللهم من أرادنا أو أراد بلاد المسلمين بأذى فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره عليه، اللهم خذ بيد شباب وفتيات المسلمين إلى الصلاح والتقى يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ووفقهم بتوفيقك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واغفر لوالدينا ووالدي والدينا ولمن له حق علينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع الدعاء غفور رحيم، وصلوا على نبيكم نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وقوموا إلى صلاتكم يغفر الله لنا ولكم.