اتصل بنا
الإكثار من الاستغفار
22/10/2004

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى

الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.

عباد الله: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستكثر في هذا الشهر الكريم من خصلتين نرضي بهما ربنا: الأولى شهادة ألا إله إلا الله، والثانية كثرة الاستغفار، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يركب في نفس الإنسان دوافع إلى الخير ونوازع إلى الشر، ونوازع الشر هذه تسبب وقوع الإنسان في المعصية وتدفعه إلى ارتكاب السيئات، فكل إنسان لابد أن يفعل شيئًا من الذنوب وأن يرتكب بعض المعاصي، مهما اجتهد في البعد عن المخالفات، والله سبحانه وتعالى علم أن عباده ستكون لهم سيئات، لذلك فقد فتح لهم باب التوبة والاستغفار، رحمةً منه بعباده وفضلًا وهو أرحم الراحمين، كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيما يرويه عن ربه عز وجل، أنه قال: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم» رواه مسلم في صحيحه.

والاستغفار هو طلب المغفرة، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها، كما يقول ابن رجب رحمه الله، فقول القائل أستغفر الله، معناه وأطلب مغفرته فهو كقوله اللهم اغفر لي، هذا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار، على الرغم من كونه غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ذلك لأن الاستغفار عبادة من أفضل العبادات، لأن كثرة استغفار العبد ترضي ربه عز وجل عنه، كما جاء في حديث سلمان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائل شهر رمضان، ومما جاء في الروايات في كثرة استغفاره صلى الله عليه وسلم، ما رواه البخاري في صحيحه، بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التوب الرحيم) رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث صحيح.

ولأهمية الاستغفار فقد كثر ذكره في القرآن الكريم على أنحاء مختلفة.

فتارة يؤمر به كقوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وتارة يمدح أهله كقوله تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ وقوله عز من قائل: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وتارة يُذكر أن الله تعالى يغفر لمن استغفر كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا، وتارة يُطمِع العصاة في المغفرة مهما كثرت ذنوبهم كقوله تعالى: ﴿۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 

إن الله تعالى يحب من عبده أن يستغفره وأن يرجو رحمته، لأنه تعالى هو الغفور الرحيم، وقد جاء في الحديث فيما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم» رواه مسلم في صحيحه، وهذا الحديث ليس ترغيبًا في فعل الذنوب، كلا، وإنما هو ترغيب في الاستغفار، وبيانٌ لحبه عز وجل أن يُستغفر، ورضاه عن عباده إذا استغفروه، وفي هذا المعنى روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إن عبدًا أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت ذنبًا فاغفر لي، قال الله تعالى: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي: ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا آخر، فذكر مثل الأول مرتين» متفق عليه، وفي رواية لمسلم قال في الثالثة:«قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء» أي مادام على هذا الحال كلما أذنب استغفر.

عباد الله: إن للاستغفار الكثير فوائدَ متعددة، فوق مغفرة الذنوب، فمن فوائده أنه يَصقل القلب ويُذهب عنه أثر المعصية؛ لأن المعصية تترك في القلب سوادًا وقترة، فإذا استغفر العبد من ذنبه صَقُل قلبه وذهب أثر المعصية، وإن تابع المعاصي تتابع السواد على قلبه حتى يغطيه كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن العبد إذا أخطأ خطيئته نُكِتت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صُقلت، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله تعالى ﴿كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، قابل توبة التائبين، وغافر ذنب المستغفرين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

ومن فوائد الاستغفار أنه سبب لتثمير الأموال وتوسعة الأرزاق وتكثير الذرية والأولاد، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا .يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا.وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا وقال جل وعلا على لسان هود عليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.

قال ابن رجب رحمه الله: الاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة أي في قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ، وقال: وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه ثم يثني بالاعتراف بذنبه ثم يسأل الله المغفرة كما في حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» رواه البخاري.

فاستكثروا عباد الله من الاستغفار، فإن الاستغفار يرضي ربكم ويمحو ذنوبكم ويزيد في رزقكم ويبارك في ذرياتكم ويجلو صدأ قلوبكم، عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا» رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

اللهم اجعلنا من التائبين المستغفرين، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغفر لنا كل زلة ومذمة، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذله، اللهم عليك بأعدائك فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنهم طغوا وتجبروا وبغوا، اللهم اشدد وطأتك عليهم يا جبار السماوات والأرض، اللهم احم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصرهم في كل بلد يذكر فيه لا إله إلا الله، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم احفظ بلادنا من كل شر ومكروه، وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ ولاة أمورنا وارزقهم البطانة الصالحة وسائر أمور المسلمين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. أقم الصلاة.

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
udemy course download free
download micromax firmware
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free