اتصل بنا
“لتسكنوا إليها”
23/06/2001

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الحمد لله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن الله الذي خلق الإنسان، واختاره خليفته في الأرض، هو الذي نظم حياته بنظام محكم بديع لا يخطر على قلب مخلوق ولا يتصوره بشر، حيث نظم التكاثر البشري على الأرض، ونظم التوازن الاجتماعي على الأرض، وحفظ التوازن الاقتصادي على الأرض، بأمر فطر الإنسان عليه، يسعى إليه بكل ما يملك اندفاعًا ذاتيًا فطريًا وعاطفيًا يستهلك في سبيل تحقيقه جميع طاقاته المادية والمعنوية، ألا وهو الزواج.

إن الخالق المصور المبدع يتصرف في عبده بقدرته وعلمه وحكمته، والعبد لا يدري، فالله عز وجل نظم بهذا الدافع الفطري الذي خلقه فيه التكاثر البشري، والتوازن الاجتماعي والنمو الاقتصادي المتوازن بهذا الأمر الفطري، لكن كيف ذلك؟ فلا شك أن التكاثر البشري أمره واضح، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ وقال سبحانه ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾، لكن كيف يتم التوازن الاجتماعي من صِلات بين البشر، فيصبح البعيد قريبًا، والبغيض حبيبًا، وينقلب الاضطراب الأمني إلى استقرار، فقد أسلمت جميع هوازن بزواج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث سيد قبيلة هوازن، وانقلب خوفهم أمنًا بعد ذلك، فلا مفر من هذا الأمر الفطري، حيث يحل الأمن والسلام والوئام بين قبيلتين، فكيف بين جماعة قليلة أو أفراد وأسر.

أليس إذًا هذا الأمر عامل مهم في الاستقرار الأمني؟ لكن هو عامل أمني ليس من هذا الجانب فحسب، بل من جانب عاطفي ضمني قد لا يعيره الإنسان انتباهه، وهو الاستقرار النفسي، فعندما لا يوجد شاب أعزب نضمن عندئذٍ زوال نوع خطير من أنواع الجريمة وهو الاغتصاب، والتعدي على الحرمات والأعراض؛ بل نتفادى قسطًا من الحوادث الناجمة عن الأرق النفسي لدى الشاب الراغب في صون نفسه، ولا يجد ما يصونه، فالشاب المتشنج المؤرق نفسيًا عرضة للحوادث المرورية، وعرضة للحوادث الناجمة عن الانفعالات العصبية، فانظر أخي المسلم حكمة هذا الخالق الصانع البديع في صنعه.

أما عن النمو الاقتصادي وتوازنه فأنت أخي المسلم خبير بذلك، والأمر عنك غير بعيد، فحينما تتواصل الأسر وتترابط ترابطًا عاطفيًا دمويًا ألا ترى كيف يتم الحرص بينهم على التواصل الاقتصادي، وسد ثغرات اقتصادية بين الأقارب إذا لم يطغَ حب الدنيا على القلوب، فيحرص كل واحد من الطرفين أن يكون الآخر في أهنأ عيش وأرغد حياة؟ كم من شركات ومؤسسات بين أفراد القبيلة، وبين الأسر المتصاهرة المتناسبة فيما بينها.

من هنا نلاحظ التنمية الاقتصادية والتوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع، كذلك عندما يتزوج المرء فإنه يبدأ في تكوين أسرة وهذه الأسرة تحتاج إلى من يقوم عليها ويرعاها وهكذا.

تصور معي أخي الكريم هذا الأمر على مستوى بقاع الأرض، لتعلم أن الله هو الذي نظم مظاهر الحياة البشرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بأمر واحد، ألا تعجب من علم وحكمة هذا الخالق الصانع.

عباد الله: إن من سنة الله تعالى في خلقه أن جعل المرأة سكنًا للرجل ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وصفت المرأة بالسكن؛ لأن السكن مأوى يأوي إليه صاحبه يجد فيه الطمأنينة والدعة، وعليه فالمرأة سكن للرجل في جميع شؤونه، سكن حسي ومعنوي سكن يغض بصره ويحصن فرجه، سكن ينشر شمله ويُبقي اسمه ورسمه.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم وجعل بينهم مودة، وهي المحبةـ ورحمة وهي الرأفة، إن الرجل يمسك المرأة، إما لمحبته لها أو لرحمته بها بأن يكون لها منه ولدًا أو محتاجةً إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما وغير ذلك) ا.هـ.

معاشر المسلمين: لقد تكاثرت النصوص الشرعية في الحث على الزواج بل والأمر به، ومن تلك النصوص قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم».

عباد الله: ولما كان الأمر كذلك كان على المسلم أن يحرص على المبادرة إلى ذلك الأمر الذي فيه مصالح كثيرة منها: طاعة ربه تعالى، والاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك غض بصره وتحصين فرجه وبقاء ذكره وذريته، إضافة إلى جريان الأجر عليه بسبب صلاح ولده ودعائه له.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

ومع هذا الترغيب الشرعي وتلك المصالح الكثيرة، إلا أنه يوجد في البيوت كثير من الذكور والإناث لم يحظوا بذلك الخير والمصالح الكثيرة، وهؤلاء في الجملة على أقسام كثيرة:

قسم منهم حبسهم نوع من العذر كمرض وما شابهه، ومنهم من حبسه عدم القدرة المالية، وهؤلاء وأولئك ينتظرون زوال عذرهم ليلحقوا بذلك الركب، فيدركوا من الفضائل والمصالح ما أدرك غيرهم. وقسم آخر عزف عن الزواج متذرعًا بمشاغله من دراسة أو عمل، وهذا على خلل، بل وقد يأثم كثيرًا إذا كان ممن تتوق نفسه إليه مع قدرته عليه وخشيته على نفسه. وقسم آخر تأخر عن أمر زواجه راغمًا لا راغبًا ومضطرًا لا مختارًا وذلك لعدم قدرته على تكاليف الزواج الباهظة التي تفرضها بعض العادات أو الأقاليم أو الأجناس.

وهذا الأمر يبوء بإثمه أولئك الأولياء الذين وقفوا عقبةً في طريقه وطريق أمثاله، أولئك الذين جعلوا من بناتهم سلعًا تجارية يساومون عليها، فمن دفع أكثر كان إلى زواجها أقرب، فبئسًا لأولئك الأولياء الذين راعوا جيوبهم وشهواتهم، ولم يراعوا مسؤوليتهم وبراءة ذمتهم.

ألا فليتق الله أولياء أمور الفتيات، وليحذروا من مغبة الفساد عندما يتركون بناتهم عوانس بدون زواج عندما يتقدم لهن الرجل الصالح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» رواه الترمذي.

كلمة أخيرة نوجهها لمن لم يستطع الزواج لأي من الأسباب، ولمن قدم من بلده لأجل العمل في هذه البلاد سواءً كان سائقًا أو عاملًا أو موظفًا، أن يتق الله الجميع وأن يحذروا طرق الغواية والفساد، فإن الشيطان لهم بالمرصاد، ومن باب المناصحة لكل هؤلاء أن يأخذوا بأسباب التعفف، وأهمها:

1-أن يتذكر ويستشعر بأنه مسلم مؤمن بربه وأن ربه يراه ويحاسبه.

2-أن يحرك عقله ويتدبر في أي عمل ربما يضر بالآخرين هل يريده لنفسه.

3-أن يكثر من صيام الاثنين والخميس والأيام البيض مثلًا.

4-أن يختار الصحبة الصالحة العاقلة ذات الشخصية المتوازنة والمنضبطة، عليها سيما الوقار والصلاح.

5-أن يحافظ على صلاته.

6-أن يبتعد عن الشاشة، لأنها أكثر متسبب في التشنجات العصبية والجرائم والمصائب في عالمنا المعاصر.

 

وقانا الله وإياكم الشرور والفتن، وعصمنا من كل زلل، ووفقنا للقيام بمسؤوليتنا على الوجه الذي يرضيه عنا، ربنا أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا نبي الرحمة والهدى فقد أمركم بذلك، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
download lava firmware
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course